خدمات تلفن همراه

قرآن تبيان- جزء 1 - حزب 1 - سوره حمد - صفحه 1


شروع جزء 1و حزب 1


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
1 - قراء المدينة و البصرة و الشأم و فقهاؤها علي أن التسمية ليست بَية من الفاتحة و لا من غيرها من السور، و إنما كتبت للفصل و التبرك بالابتداء بها، كما بدئ بذكرها في كل أمر ذي بال ، و هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله و من تابعه ، و لذلك لايجهر بها عندهم في الصلاة. و قراء مكة و الكوفة و فقهاؤ هما علي أنها آية من الفاتحة و من كل سورة، و علية الشافعي و أصحابه رحمهم الله ، و لذلك يجهرون بها. و قالوا: قد أثبتها السلف في المصحف مع توصيتهم بتجريد القرآن ، و لذلك لم يثتبوا (آمين ) فلولا أنها من القرآن لما أثبتوها. و عن ابن عباس : " من تركها فقد ترك مائة و أربع عشرة آية من كتاب الله تعالي ". فإن قلت : بم تعلقت الباء ؟ قلت : بمحذوف تقديره : بسم الله أقرأ أو أتلو، لان الذي يتلو التسمية مقروء، كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال : بسم الله و البركات ، كان المعني : بسم الله أحل و بسم الله أرتحل ، و كذلك الذابح و كل فاعل يبدأ في فعله " بسم الله " كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له . و نظيره في حذف متعلق الجار قوله عز و جل : (في تسع آيات إلي فرعون و قومه )، أي اذهب في تسع آيات . و كذلك قول العرب في الدعاء للمعرس : بالرفاء و البنين ، و قول الاعرابي : باليمن و البركة، بمعني أعرست ، أو نكحت . و منه قوله : فقلت إلي الطعام فقال منهم فريق نحسد الانس الطعاما فإن قلت : لم قدرت المحذوف متأخرآ ؟ قلت : لان الاهم من الفعل و المتعلق به هو المتعلق به ، لانهم كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون : باسم اللات ، باسم العزي ، فوجب أن يقصد الموحد معني اختصاص اسم الله عز و جل بالابتداء، و ذلك بتقديمه و تإخير الفعل كما فعل في قوله : (إياك نعبد)، حيث صرح بتقديم الاسم إرادة للاختصاص . و الدليل عليه قوله : (بسم الله مجراها و مرساها). فإن قلت : فقد قال :(اقرأ باسم ربك )، فقدم الفعل . قلت : هناك تقديم الفعل أوقع لانها أول سورة نزلت فكان الامر بالقراءة أهم فإن قلت : ما معني تعلق اسم الله بالقراءة ؟ قلت : فيه و جهان : أحد هما أن يتعلق بها تعلق القلم بالكتبة في قولك : كتبت بالقلم ، علي معني أن المؤمن لما اعتقد أن فعله لايجي ء معتدا به في الشرع واقعا علي السنة حتي يصدر بذكر اسم الله لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " إلا كان فعلا كلا فعل ، جعل فعله مفعولا باسم الله كما يفعل الكتب بالقلم . و الثاني أن يتعلق بها تعلق الدهن بالانبات في قوله : (تنبت بالدهن ) علي معني : متبركا بسم الله أقرأ، و كذلك قول الداعي للمعرس : بالرفاء و البنين ، معناه أعرست ملتبسا بالرفاء و البنين ، و هذا الوجه أعرب و أحسن ، فإن قلت : فكيف قال الله تبارك و تعالي متبركا باسم الله أقرأ ؟ قلت : هذا مقول علي ألسنة العباد، كما يقول الرجل الشعر علي لسان غيره ، و كذلك : (الحمدلله رب العالمين إلي آخره )، و كثير من القرآن علي هذا المنهاج ، و معناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه ، و كيف يحمدونه و يمجدونه و يعظمونه . فإن قلت : من حق حروف المعاني التي جاءت علي حرف و احد أن تبني علي الفتحة التي هي أخت السكون ، نحو كاف التشبيه و لام الابتداء و واو العطف و فائه و غير ذلك ، فما بال لام الاضافة و بائها بنيتا علي الكسر ؟ قلت : أما اللام فللفصل بينها و بين لام الابتداء، و أما الباء فلكونها لازمة للحرفية و الجر، و الاسم أحد الاسماء العشرة التي بنوا أوائلها علي السكون ، فأذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة، لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن إذا كان دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك و يقفوا علي الساكن ، لسلامة لغتهم من كل لكنة و بشاعة، و لوضعها علي غاية من الاحكام و الرصانة، و إذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلي زيادة شي ء. و منهم من لم يزدها و استغني عنها بتحريك الساكن ، فقال : سم و سم . قال : * باسم الذي في كل سورة سمه * و هو من الاسماء المحذوفة الاعجاز : كيد و دم ، وأصله : سمو بدليل تصريفه : كأسما، و سمي ، و سميت . و اشتقاقه من السمو، لان التسمية تنويه بالمسمي و إشادة بذكره ، و منه قيل للقب النبز : من النبز بمعني النبر، و هو رفع الصوت . و النبز قشر النخلة الاعلي . فإن قلت : فلم حذفت الالف في الخط و أثبت في قوله : باسم ربك ؟ قلت : قد اتبعوا في حذفها حكم الدرج دون الابتداء الذي عليه وضع الخط لكثرة الاستعمال ، و قالوا : طولت الباء تعويضا من طرح الالف . و عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال لكاتبه : طول الباء و أظهر السنات و دور الميم . و (الله ) أصله الاله . قال : * معاذ الاله أن تكون كظبية * و نظيره : الناس ، أصله الاناس . قال : إن المنايا يطلع ن علي الاناس الامنينا فحذفت الهمزة و عوض منها حرف التعريف ، و لذلك قيل في النداء : يا ألله بالقطع ، كما يقال : يا إله ، و الاله من أسماء الاجناس كالرجل و الفرس اسم يقع علي كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب علي المعبود بحق ، كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب علي الثريا، و كذلك السنة علي عام القحط، و البيت علي الكعبة، و الكتاب علي كتاب سيبويه . و أما (الله ) بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق ، لم يطلق علي غيره . ومن هذا الاسم اشتق : تأله ، و أله ، و استأله . كما قيل : استنوق ، واستحجر، في الاشقاق من الناقة و الحجر. فإن قلت : أاسم هو أم صفة ؟ قلت : بل اسم غير صفة، ألا تراك تصفه و لا تصف به ، لاتقول : شي ءإله ، كما لاتقول : شي ء رجل . و تقول : إله واحد صمد، كما تقول : رجل كريم خير. و أيضا فإن صفاته تعالي لابد لها من موصوف تجري عليه ، فلو جعلتها كلها صفات بقيت غير جارية علي اسم موصوف بها و هذا محال . فإن قلت : هل لهذا الاسم اشتقاق ؟ قلت : معني الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معني واحد، و صيغة هذا الاسم و صيغة قولهم : أله ، إذا تحير، و من أخواته : دله ، و عله ، ينتظمهما معني التحير و الدهشة، و ذلك أن الاوهام تتحير في معرفة المعبود و تدهش الفطن ، و لذلك كثر الضلال ، و فشا الباطل ، و قل النظر الصحيح . فإن قلت : هل تفخم لامه ؟ قلت : نعم قد ذكر الزجاج أن تفخيمها سنة، و علي ذلك العرب كلهم ، و إطباقهم عليه دليل أنهم و رثوه كابراعن كابر. و (الرحمن ) فعلان من رحم ، كغضبان و سكران ، من غضب و سكر، و كذلك الرحيم فعيل منه ، كمريض و سقيم ، من مرض و سقم ، و في (الرحمن ) من المبالغة ما ليس في ( الرحيم )، و لذلك قالوا : رحمن الدنيا و الاخرة، و رحيم الدنيا، و يقولون : إن الزيادة في البناء لزيادة المعني . و قال الزجاج في الغضبان : هو الممتلي ء غضبا. و مما طن علي أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركبا من مراكبهم بالشقدف ، و هو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق ، فقلت في طريق الطائف لرجل منهم : ما اسم هذا المحمل ؟ أردت المحمل العراقي ، فقال : أليس ذاك اسمه الشقدف ؟ قلت : بلي ، فقال : هذا اسمه الشقنداف ، فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمي ، و هو من الصفات الغالبة كالدبران ، و العيوق ، و الصعق لم يستعمل في غير الله عز و جل ، كما أن (الله ) من الاسماء الغالبة. و أما قول بني حنيفة في مسيلمة : رحمان اليمامة،و قول شاعرهم فيه : * و أنت غيث الوري لازلت رحمانا * فباب من تعنهم في كفرهم . فإن قلت : كيف تقول : الله رحمن ، أتصرفه أم لا ؟ قلت : أقيسه علي أخواته من بابه ، أعني نحو عطشان و غرثان و سكران ، فلا أصرفه . فأن قلت : قد شرط في امتناع صرف فعلان أن يكون فعلان فعلي و اختصاصه بالله يحظر أن يكون فعلان فعلي ، فلم تمنعه الصرف ؟ قلت : كما حظر ذلك أن يكون له مؤنث علي فعلي كعطشي فقد حظر أن يكون له مؤنث علي فعلانة كندمانة، فإذا لا عبرة بامتناع التأنيث للاختصاص العارض فوجب الرجوع ألي الاصل قبل الاختصاص و هو القياس علي نظائره . فإن قلت : ما معني وصف الله تعالي بالرحمة و معناها العطف و الحنو و منها الرحم لانعطافها علي ما فيها ؟ قلت : هو مجاز عن إنعامه علي عباده ، لان الملك إذا عطف علي رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه و إنعامه ، كما أنه إذا أدركته الفظاظة و القسوة عنف بهم و منعهم خيره و معروفه . فإن قلت : فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين علي ما هو دونه ، و القياس الترقي من الادني إلي الاعلي كقولهم : فلان عالم نحرير، و شجاع باسل ، و جواد فياض ؟ قلت ، لما قال (الرحمن ) فتناول جلائل النعم و عظئمها و أصولها، أردفه (الرحيم ) كالتتمة و الرديف ليتناول ما دق منها و لطف .
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ
2 - الحمد و المدح أخوان ، و هو الثناء و النداء علي الجميل من نعمة و غيرها. تقول : حمدت الرجل علي إنعامه ، و حمدته علي حسبه و شجاعته . و أما الشكر فعلي النعمة خاصة و هو بالقلب واللسان و الجوارح قال : أفاد تكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا و الحمد باللسان وحده ، فهو إحدي شعب الشكر، و منه قوله عليه السلام : " الحمد رأس الشكر، ما شكرالله عبد لم يحمده " و إنما جعله رأس الشكر، لان ذكر النعمة باللسان و الثناء علي موليها، أشيع لها و أدل علي مكانها من الاعتقاد و آداب الجوارح لخفاء عمل القلب ، و ما في عمل الجوارح من الاحتمال ، بخلاف عمل اللسان و هو النطق الذي يفصح عن كل خفي و يجلي كل مشتبه . و الحمد نقيضه الذم ، و الشكر نقيضه الكفران ، و ارتفاع الحمد بالابتداء و خبره الظرف الذي هو لله و أصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله علي أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معني الاخبار، كقولهم : شكرا، و كفرا، و عجبا، و ما أشبه ذلك ، و منها : سبحانك ، و معاذ الله ، ينزلونها منزلة أفعالها و يسدون بها مسدها، لذلك لا يستعملونها معها و يجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، و العدل بها عن النصب إلي الرفع علي الابتداء للدلالة علي ثبات المعني و استقراره . و منه قوله تعالي : (قالوا سلاما قال سلام )، رفع السلام الثاني للدلالة علي أن إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم ، لان الرفع دال علي معني ثبات السلام لهم دون تجدده و حدوثه . و المعني : نحمد الله حمدا، و لذلك قيل : (إياك نعبد و إياك نستعين )، لانه بيان لحمدهم له ، كأنه قيل : كيف تحمدون ؟ فقيل : إياك نعبد. فإن قلت : ما معني التعريف فيه ؟ قلت : هو نحو التعريف في أرسلها العراك ، و هو تعريف الجنس ، و معناه الاشارة إلي ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو، و العراك ما هو، من بين أجناس الافعال . و الاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس و هم منهم . و قرأ الحسن البصري : (الحمد لله ) بكسر الدال لاتباعها اللام . و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة : (الحمد لله ) بضم اللام لاتباعها الدال ، و الذي جسرهما علي ذلك و الاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل و مغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين ، و أشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للاعرابية التي هي أقوي ، بخلاف قراءة الحسن . الرب : المالك . و منه قول صفوان لابي سفيان : لان يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . تقول : ربه يربه فهو رب ، كما تقول : نم عليه ينم فهو نم .و يجوز أن يكون و صفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ، و لم يطلقوا الرب إلا في الله وحده ، و هو في غيره علي التقيد بالاضافة، كقولهم : رب الدار، و رب الناقة، و قوله تعالي : (ارجع إلي ربك )، (إنه ربي أحسن مثواي ). و قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما : (رب العالمين ) بالنصب علي المدح ، و قيل بما دل عليه (الحمدلله )، كأنه قيل : نحمد الله رب العالمين . العالم : اسم لذوي العلم من الملائكة و الثقلين ، و قيل : كل ما علم به الخالق من الاجسام و الاعراض . فإن قلت : لم جمع ؟ قلت : ليشمل كل جنس مما سمي به . فإن قلت : هو اسم غير صفة، و إنما تجمع بالواو و النون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الاعلام . قلت : ساغ ذلك لمعني الوصفية فيه و هي الدلالة علي معني العلم .
الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
3 - الحمد و المدح أخوان ، و هو الثناء و النداء علي الجميل من نعمة و غيرها. تقول : حمدت الرجل علي إنعامه ، و حمدته علي حسبه و شجاعته . و أما الشكر فعلي النعمة خاصة و هو بالقلب واللسان و الجوارح قال : أفاد تكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا و الحمد باللسان وحده ، فهو إحدي شعب الشكر، و منه قوله عليه السلام : " الحمد رأس الشكر، ما شكرالله عبد لم يحمده " و إنما جعله رأس الشكر، لان ذكر النعمة باللسان و الثناء علي موليها، أشيع لها و أدل علي مكانها من الاعتقاد و آداب الجوارح لخفاء عمل القلب ، و ما في عمل الجوارح من الاحتمال ، بخلاف عمل اللسان و هو النطق الذي يفصح عن كل خفي و يجلي كل مشتبه . و الحمد نقيضه الذم ، و الشكر نقيضه الكفران ، و ارتفاع الحمد بالابتداء و خبره الظرف الذي هو لله و أصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله علي أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معني الاخبار، كقولهم : شكرا، و كفرا، و عجبا، و ما أشبه ذلك ، و منها : سبحانك ، و معاذ الله ، ينزلونها منزلة أفعالها و يسدون بها مسدها، لذلك لا يستعملونها معها و يجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، و العدل بها عن النصب إلي الرفع علي الابتداء للدلالة علي ثبات المعني و استقراره . و منه قوله تعالي : (قالوا سلاما قال سلام )، رفع السلام الثاني للدلالة علي أن إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم ، لان الرفع دال علي معني ثبات السلام لهم دون تجدده و حدوثه . و المعني : نحمد الله حمدا، و لذلك قيل : (إياك نعبد و إياك نستعين )، لانه بيان لحمدهم له ، كأنه قيل : كيف تحمدون ؟ فقيل : إياك نعبد. فإن قلت : ما معني التعريف فيه ؟ قلت : هو نحو التعريف في أرسلها العراك ، و هو تعريف الجنس ، و معناه الاشارة إلي ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو، و العراك ما هو، من بين أجناس الافعال . و الاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس و هم منهم . و قرأ الحسن البصري : (الحمد لله ) بكسر الدال لاتباعها اللام . و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة : (الحمد لله ) بضم اللام لاتباعها الدال ، و الذي جسرهما علي ذلك و الاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل و مغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين ، و أشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للاعرابية التي هي أقوي ، بخلاف قراءة الحسن . الرب : المالك . و منه قول صفوان لابي سفيان : لان يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . تقول : ربه يربه فهو رب ، كما تقول : نم عليه ينم فهو نم .و يجوز أن يكون و صفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ، و لم يطلقوا الرب إلا في الله وحده ، و هو في غيره علي التقيد بالاضافة، كقولهم : رب الدار، و رب الناقة، و قوله تعالي : (ارجع إلي ربك )، (إنه ربي أحسن مثواي ). و قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما : (رب العالمين ) بالنصب علي المدح ، و قيل بما دل عليه (الحمدلله )، كأنه قيل : نحمد الله رب العالمين . العالم : اسم لذوي العلم من الملائكة و الثقلين ، و قيل : كل ما علم به الخالق من الاجسام و الاعراض . فإن قلت : لم جمع ؟ قلت : ليشمل كل جنس مما سمي به . فإن قلت : هو اسم غير صفة، و إنما تجمع بالواو و النون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الاعلام . قلت : ساغ ذلك لمعني الوصفية فيه و هي الدلالة علي معني العلم .
مَالِکِ یَوْمِ الدِّینِ
4 - قري : ملك يوم الدين ، و مالك ، و ملك بتخفيف اللام . و قرأ أبو حنيفة رضي الله عنه : ملك يوم الدين ، بلفظ الفعل و نصب اليوم ، و قرأ أبو هريرة رضي الله عنه : مالك بالنصب . و قرأ غيره : ملك ، و هو نصب علي المدح ، و منهم من قرأ : مالك ، بالرفع . و ملك : هو الاختيار، لانه قراءة أهل الحرمين ، و لقوله : (لمن الملك اليوم )، و لقوله : (ملك الناس )، و لان الملك يعم و الملك يخص . و يوم الدين : يوم الجزاء. و منه قولهم : " كما تدين تدان " و بيت الحماسة : و لم يبق سوي العدوا ن دناهم كما دانوا فإن قلت : ما هذه الاضافة ؟ قلت : هي إضافة اسم الفاعل إلي الظرف علي طريق الاتساع ، مجري مجري المفعول به كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار، و المعني علي الظرفية. و معناه : مالك الامر كله في يوم الدين ، كقوله : (لمن الملك اليوم ). فإن قلت : فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية فلا تكون معطية معني التعريف ، فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة ؟ قلت : إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال ، فكان في تقدير الانفصال ، كقولك : مالك الساعة، أو غدا. فأما إذا قصد معني الماضي ، كقولك : هو مالك عبده أمس ، أو زمان مستمر، كقولك : زيد مالك العبيد، كانت الاضافة حقيقية، كقولك : مولي العبيد، و هذا هو المعني في (مالك يوم الدين )، و يجوز أن يكون المعني : ملك الامور يوم الدين ، كقوله : (و نادي أصحاب الجنة)، (و نادي أصحاب الاعراف )، و الدليل عليه قراءة أبي حنيفة : (ملك يوم الدين )، و هذه الاوصاف التي أجريت علي الله سبحانه من كونه ربا مالكا للعالمين لا يخرج منهم شي ء من ملكوته و ربوبيته ، و من كونه منعما بالنعم كلها الظاهرة و الباطنة و الجلائل و الدقائق ، و من كونه مالكا للامر كله في العاقبة يوم الثواب و العقاب بعد الدلالة علي اختصاص الحمد به و أنه به حقيق في قوله الحمد لله دليل علي أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله .
إِیَّاکَ نَعْبُدُ وَإِیَّاکَ نَسْتَعِینُ
5 - (إيا) ضمير منفصل للمنصوب ، و اللوا حق التي تلحقه من الكاف و الهاء و الياء في قولك : إياك ، و إياه ، و إياي ، لبيان الخطاب و الغيبة و التكلم ، و لامحل لها من الاعراب ، كما لا محل للكاف في أرأيتك ، و ليست بأسماء مضمرة، و هو مذهب الاخفش و عليه المحققون ، و أما ما حكاه الخليل عن بعض العرب : " إذا بلغ الرجل الستين فإياه و إيا الشواب " فشي ء شاذ لايعول عليه ، و تقديم المفعول لقصد الاختصاص ، كقوله تعالي : (قل أفغير الله تأمروني أعبد)، (قل أغير الله أبغي ربا). و المعني نخصك بالعبادة، و نخصك بطلب المعونة. و قري : إياك بتخفيف الياء، و أياك بفتح الهمزة و التشديد، و هياك بقلب الهمزة هاء. قال طفيل الغنوي : فهياك و الامر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره و العبادة أقصي غاية الخضوع و التذلل . و منه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة و قوة النسج ، و لذلك لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالي ، لانه مولي أعظم النعم فكان حقيقا بأقصي غاية الخضوع . فإن قلت : لم عدل عن لفظ الغيبة إلي لفظ الخطاب ؟ قلت : هذا يسمي الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلي الخطاب ، ومن الخطاب إلي الغيبة، و من الغيبة إلي التكلم ، كقوله تعالي :( حتي اذا كنتم في الفلك وجرين بهم ). و قوله تعالي : (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه ). وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات : تطاول ليلك بالاثمد و نام الخلي و لم ترقد و بات و باتت له ليلة كليلة ذي العائر الارمد و ذلك من نبإ جاءني و خبرته عن أبي الاسود و ذلك علي عادة افتنانهم في الكلام و تصرفهم فيه ، و لان الكلام إذا نقل من أسلوب إلي أسلوب ، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع ، و إيقاظا للاصغاء إليه من إجرائه علي أسلوب واحد، و قد تختص مواقعه بفوائد. و مما اختص به هذا الموضع : أنه لما ذكر الحقيق بالحمد، و أجري عليه تلك الصفات العظام ، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء و غاية الخضوع و الاستعانه في المهمات ، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات ، فقيل : إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة و الاستعانة، لا نعبد غيرك و لا نستعينه ، ليكون الخطاب أدل علي أن العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به . فإن قلت : لم قرنت الاستعانة بالعبادة ؟ قلت : ليجمع بين ما يتقرب به العباد إلي ربهم و بين ما يطلبونه و يحتاجون إليه من جهته . فإن قلت : فلم قدمت العبادة علي الاستعانة ؟ قلت : لان تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الاجابة إليها. فإن قلت : لم أطلقت الاستعانة ؟ قلت : ليتناول كل مستعان فيه ، و الا حسن أن تراد الاستعانة به و بتوفيقه علي أداء العبادة، و يكون قوله : (اهدنا) بيانا للمطلوب من المعونة، كأنه قيل : كيف أعينكم ؟ فقالو : اهدنا الصراط المستقيم ، و إنما كان أحسن لتلاؤم الكلام و أخذ بعضه بحجزة بعض . و قرأ ابن حبيش : نستعين ، بكسر النون .
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ
6 - هدي أصله أن يتعدي باللام أو بإلي ، كقوله تعالي : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )، (و إنك لتهدي إلي صراط مستقيم )، فعومل معاملة اختار في قوله تعالي : (و اختار موسي قومه ). و معني طلب الهداية و هم مهتدون طلب زيادة الهدي بمنح الالطاف ، كقوله تعالي : (والذين اهتدوا زادهم هدي )، (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). و عن علي و أبي رضي الله عنهما : اهدنا ثبتنا، و صيغة الامر و الدعاء واحدة، لان كل واحد منهما طلب ، و إنما يتفاوتان في الرتبة. و قرأ عبدالله : أرشدنا. (السراط) الجادة، من سرط الشي ء إذا ابتلعه ، لانه يسترط السابلة إذا سلكوه ، كما سمي : لقما، لانه يلتقمهم . و الصراط من قلب السين صادا لاجل الطاء، كقوله : مصيطر، في مسيطر، و قد تشم الصاد صوت الزاي ، و قري بهن جميعا، و فصاحهن إخلاص الصاد، و هي لغة قريش و هي الثابتة في الامام ، و يجمع سرطا، نحو كتاب و كتب ، و يذكر و يؤنث كالطريق و السبيل ، و المراد طريق الحق و هو ملة الاسلام .
صِرَاطَ الَّذِینَ أَنْعَمْتَ عَلَیْهِمْ غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلَا الضَّالِّینَ
7 - (صراط الذين أنعمت عليهم ) بدل من الصراط المستقيم ، و هو في حكم تكرير العامل ، كأنه قيل : اهدنا الصراط المستقيم ، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، كما قال : (الذين استضعفوا لمن آمن منهم ). فإن قلت : ما فائدة البدل ؟ و هلا قيل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ؟ قلت : فائدته التوكيد لما فيه من التثنية و التكرير، و الاشعار بأن الطريق المستقيم بيانه و تفسيره : صراط المسلمين ، ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة علي أبلغ وجه وآ كده ، كما تقول : هل أدلك علي أكرم الناس و أفضلهم ؟ فلان ، فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم و الفضل من قولك : هل أدلك علي فلان الاكرم الافضل ، لانك ثنيت ذكره مجملا أولا، و مفصلا ثانيا، و أوقعت فلانا تفسيرا و إيضاحا للاكرم الافضل فجعلته علما في الكرم و الفضل ، فكأنك قلت : من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان ، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع و لامنازع . و الذين أنعمت عليهم : هم المؤمنون ، و أطلق الانعام ليشمل كل إنعام ، لان من أنعم عليه بنعمة الاسلام لم تبق نعمة إلا أصابته و اشتملت عليه . و عن ابن عباس : هم أصحاب موسي قبل أن يغيروا، و قيل هم الانبياء. و قرأ ابن مسعود : (صراط من أنعمت عليهم ) (غير المغضوب عليهم ) بدل من الذين أنعمت عليهم ، علي معني أن المنعم عليهم : هم الذين سلموا من غضب الله و الضلال ، أو صفة علي معني أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة و هي نعمة الايمان ، و بين السلامة من غضب الله و الضلال . فإن قلت : كيف صح أن يقع (غير) صفة للمعرفة و هو لايتعرف و إن أضيف إلي المعارف ؟ قلت : (الذين أنعمت عليهم ) لاتوقيت فيه كقوله : * و لقد أمر علي الليم يسبني * و لان المغضوب عليهم و الضالين خلاف المنعم عليهم ، فليس في غير إذا الابهام الذي يأبي عليه أن يتعرف ، و قري بالنصب علي الحال و هي قراءة رسول الله صلي الله عليه و سلم و عمر بن الخطاب ، و رويت عن ابن كثير. و ذوالحال الضمير في عليهم ، و العامل أنعمت ، و قيل المغضوب عليهم : هم اليهود، لقوله عز و جل : (من لعنه الله و غضب عليه ). و الضالون : هم النصاري ، لقوله تعالي :(قد ضلوا من قبل ). فإن قلت : ما معني غضب الله ؟ قلت : هو إرادة الانتقام من العصاة، و إنزال العقوبة بهم ، و أن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب علي من تحت يده نعوذ بالله من غضبه ، و نسأله رضاه و رحمته . فإن قلت : أي فرق بين (عليهم ) الاولي و (عليهم ) الثانية ؟ قلت : الاولي محلها النصب علي المفعولية، و الثانية محلها الرفع علي الفاعلية. فإن قلت : لم دخلت (لا) في (و لا الضالين ) ؟ قلت : لما في غير من معني النفي ، كأنه قيل : لا المغضوب عليهم و لا الضالين . و تقول : أنا زيدا غير ضارب ، مع امتناع قولك : أنا زيدا مثل ضارب ، لانه بمنزلة قولك أنا زيدا لاضارب . و عن عمر و علي رضي الله عنهما أنهما قرآ : و غير الضالين . و قرأ أيوب السختياني : و لا الضألين بالهمز، كما قرأ عمرو بن عبيد : (و لا جأن ) و هذه لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين . و منها ما حكاه أبو زيد من قولهم : شأبة، و دأبة. آمين : صوت سمي به الفعل الذي هو استجب ، كما أن " رويد، و حيهل ، وهلم " أصوات سميت بها الافعال التي هي "أمهل و أسرع ، و أقبل ". و عن ابن عباس : سألت رسول الله صلي الله عليه و سلم عن معني آمين فقال : "افعل " و فيه لغتان : مد ألفه ، و قصرها. قال : * و يرحم الله عبدا قال آمينا * و قال : * أمين فزاد الله ما بيننا بعدا * و عن النبي صلي الله عليه و سلم : "لقنني جبريل عليه السلام آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب و قال : إنه كالختم علي الكتاب "، و ليس من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف . و عن الحسن : لايقولها الامام لانه الداعي . و عن أبي حنيفة رحمه الله مثله ، و المشهور عنه و عن أصحابه أنه يخفيها. و روي الاخفاء عبد الله بن مغفل و أنس عن رسول الله صلي الله عليه و سلم . و عند الشافعي يجهر بها. و عن وائل بن حجر أن النبي صلي الله عليه و سلم كان إذا قرأ : و لا الضالين ، قال آمين و رفع بها صوته . و عن رسول الله صلي الله عليه و سلم أنه قال لابي بن كعب : "ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة و الانجيل و القرآن مثلها ؟ قلت : بلي يا رسول الله . قال :" فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته " و عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلي الله عليه و سلم قال : "إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب (الحمد لله رب العالمين ) فيسمعه الله تعالي فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة"

صفحه : 1
بزرگتر  کوچکتر  بدون ترجمه  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
قرآن  عثمان طه با کیفیت بالا صفحه 1
تصویر  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 


1 - قراء المدينة و البصرة و الشأم و فقهاؤها علي أن التسمية ليست بَية من الفاتحة و لا من غيرها من السور، و إنما كتبت للفصل و التبرك بالابتداء بها، كما بدئ بذكرها في كل أمر ذي بال ، و هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله و من تابعه ، و لذلك لايجهر بها عندهم في الصلاة. و قراء مكة و الكوفة و فقهاؤ هما علي أنها آية من الفاتحة و من كل سورة، و علية الشافعي و أصحابه رحمهم الله ، و لذلك يجهرون بها. و قالوا: قد أثبتها السلف في المصحف مع توصيتهم بتجريد القرآن ، و لذلك لم يثتبوا (آمين ) فلولا أنها من القرآن لما أثبتوها. و عن ابن عباس : " من تركها فقد ترك مائة و أربع عشرة آية من كتاب الله تعالي ". فإن قلت : بم تعلقت الباء ؟ قلت : بمحذوف تقديره : بسم الله أقرأ أو أتلو، لان الذي يتلو التسمية مقروء، كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال : بسم الله و البركات ، كان المعني : بسم الله أحل و بسم الله أرتحل ، و كذلك الذابح و كل فاعل يبدأ في فعله " بسم الله " كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له . و نظيره في حذف متعلق الجار قوله عز و جل : (في تسع آيات إلي فرعون و قومه )، أي اذهب في تسع آيات . و كذلك قول العرب في الدعاء للمعرس : بالرفاء و البنين ، و قول الاعرابي : باليمن و البركة، بمعني أعرست ، أو نكحت . و منه قوله : فقلت إلي الطعام فقال منهم فريق نحسد الانس الطعاما فإن قلت : لم قدرت المحذوف متأخرآ ؟ قلت : لان الاهم من الفعل و المتعلق به هو المتعلق به ، لانهم كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون : باسم اللات ، باسم العزي ، فوجب أن يقصد الموحد معني اختصاص اسم الله عز و جل بالابتداء، و ذلك بتقديمه و تإخير الفعل كما فعل في قوله : (إياك نعبد)، حيث صرح بتقديم الاسم إرادة للاختصاص . و الدليل عليه قوله : (بسم الله مجراها و مرساها). فإن قلت : فقد قال :(اقرأ باسم ربك )، فقدم الفعل . قلت : هناك تقديم الفعل أوقع لانها أول سورة نزلت فكان الامر بالقراءة أهم فإن قلت : ما معني تعلق اسم الله بالقراءة ؟ قلت : فيه و جهان : أحد هما أن يتعلق بها تعلق القلم بالكتبة في قولك : كتبت بالقلم ، علي معني أن المؤمن لما اعتقد أن فعله لايجي ء معتدا به في الشرع واقعا علي السنة حتي يصدر بذكر اسم الله لقوله عليه الصلاة والسلام : " كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " إلا كان فعلا كلا فعل ، جعل فعله مفعولا باسم الله كما يفعل الكتب بالقلم . و الثاني أن يتعلق بها تعلق الدهن بالانبات في قوله : (تنبت بالدهن ) علي معني : متبركا بسم الله أقرأ، و كذلك قول الداعي للمعرس : بالرفاء و البنين ، معناه أعرست ملتبسا بالرفاء و البنين ، و هذا الوجه أعرب و أحسن ، فإن قلت : فكيف قال الله تبارك و تعالي متبركا باسم الله أقرأ ؟ قلت : هذا مقول علي ألسنة العباد، كما يقول الرجل الشعر علي لسان غيره ، و كذلك : (الحمدلله رب العالمين إلي آخره )، و كثير من القرآن علي هذا المنهاج ، و معناه تعليم عباده كيف يتبركون باسمه ، و كيف يحمدونه و يمجدونه و يعظمونه . فإن قلت : من حق حروف المعاني التي جاءت علي حرف و احد أن تبني علي الفتحة التي هي أخت السكون ، نحو كاف التشبيه و لام الابتداء و واو العطف و فائه و غير ذلك ، فما بال لام الاضافة و بائها بنيتا علي الكسر ؟ قلت : أما اللام فللفصل بينها و بين لام الابتداء، و أما الباء فلكونها لازمة للحرفية و الجر، و الاسم أحد الاسماء العشرة التي بنوا أوائلها علي السكون ، فأذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة، لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن إذا كان دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرك و يقفوا علي الساكن ، لسلامة لغتهم من كل لكنة و بشاعة، و لوضعها علي غاية من الاحكام و الرصانة، و إذا وقعت في الدرج لم تفتقر إلي زيادة شي ء. و منهم من لم يزدها و استغني عنها بتحريك الساكن ، فقال : سم و سم . قال : * باسم الذي في كل سورة سمه * و هو من الاسماء المحذوفة الاعجاز : كيد و دم ، وأصله : سمو بدليل تصريفه : كأسما، و سمي ، و سميت . و اشتقاقه من السمو، لان التسمية تنويه بالمسمي و إشادة بذكره ، و منه قيل للقب النبز : من النبز بمعني النبر، و هو رفع الصوت . و النبز قشر النخلة الاعلي . فإن قلت : فلم حذفت الالف في الخط و أثبت في قوله : باسم ربك ؟ قلت : قد اتبعوا في حذفها حكم الدرج دون الابتداء الذي عليه وضع الخط لكثرة الاستعمال ، و قالوا : طولت الباء تعويضا من طرح الالف . و عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال لكاتبه : طول الباء و أظهر السنات و دور الميم . و (الله ) أصله الاله . قال : * معاذ الاله أن تكون كظبية * و نظيره : الناس ، أصله الاناس . قال : إن المنايا يطلع ن علي الاناس الامنينا فحذفت الهمزة و عوض منها حرف التعريف ، و لذلك قيل في النداء : يا ألله بالقطع ، كما يقال : يا إله ، و الاله من أسماء الاجناس كالرجل و الفرس اسم يقع علي كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب علي المعبود بحق ، كما أن النجم اسم لكل كوكب ثم غلب علي الثريا، و كذلك السنة علي عام القحط، و البيت علي الكعبة، و الكتاب علي كتاب سيبويه . و أما (الله ) بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحق ، لم يطلق علي غيره . ومن هذا الاسم اشتق : تأله ، و أله ، و استأله . كما قيل : استنوق ، واستحجر، في الاشقاق من الناقة و الحجر. فإن قلت : أاسم هو أم صفة ؟ قلت : بل اسم غير صفة، ألا تراك تصفه و لا تصف به ، لاتقول : شي ءإله ، كما لاتقول : شي ء رجل . و تقول : إله واحد صمد، كما تقول : رجل كريم خير. و أيضا فإن صفاته تعالي لابد لها من موصوف تجري عليه ، فلو جعلتها كلها صفات بقيت غير جارية علي اسم موصوف بها و هذا محال . فإن قلت : هل لهذا الاسم اشتقاق ؟ قلت : معني الاشتقاق أن ينتظم الصيغتين فصاعدا معني واحد، و صيغة هذا الاسم و صيغة قولهم : أله ، إذا تحير، و من أخواته : دله ، و عله ، ينتظمهما معني التحير و الدهشة، و ذلك أن الاوهام تتحير في معرفة المعبود و تدهش الفطن ، و لذلك كثر الضلال ، و فشا الباطل ، و قل النظر الصحيح . فإن قلت : هل تفخم لامه ؟ قلت : نعم قد ذكر الزجاج أن تفخيمها سنة، و علي ذلك العرب كلهم ، و إطباقهم عليه دليل أنهم و رثوه كابراعن كابر. و (الرحمن ) فعلان من رحم ، كغضبان و سكران ، من غضب و سكر، و كذلك الرحيم فعيل منه ، كمريض و سقيم ، من مرض و سقم ، و في (الرحمن ) من المبالغة ما ليس في ( الرحيم )، و لذلك قالوا : رحمن الدنيا و الاخرة، و رحيم الدنيا، و يقولون : إن الزيادة في البناء لزيادة المعني . و قال الزجاج في الغضبان : هو الممتلي ء غضبا. و مما طن علي أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركبا من مراكبهم بالشقدف ، و هو مركب خفيف ليس في ثقل محامل العراق ، فقلت في طريق الطائف لرجل منهم : ما اسم هذا المحمل ؟ أردت المحمل العراقي ، فقال : أليس ذاك اسمه الشقدف ؟ قلت : بلي ، فقال : هذا اسمه الشقنداف ، فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمي ، و هو من الصفات الغالبة كالدبران ، و العيوق ، و الصعق لم يستعمل في غير الله عز و جل ، كما أن (الله ) من الاسماء الغالبة. و أما قول بني حنيفة في مسيلمة : رحمان اليمامة،و قول شاعرهم فيه : * و أنت غيث الوري لازلت رحمانا * فباب من تعنهم في كفرهم . فإن قلت : كيف تقول : الله رحمن ، أتصرفه أم لا ؟ قلت : أقيسه علي أخواته من بابه ، أعني نحو عطشان و غرثان و سكران ، فلا أصرفه . فأن قلت : قد شرط في امتناع صرف فعلان أن يكون فعلان فعلي و اختصاصه بالله يحظر أن يكون فعلان فعلي ، فلم تمنعه الصرف ؟ قلت : كما حظر ذلك أن يكون له مؤنث علي فعلي كعطشي فقد حظر أن يكون له مؤنث علي فعلانة كندمانة، فإذا لا عبرة بامتناع التأنيث للاختصاص العارض فوجب الرجوع ألي الاصل قبل الاختصاص و هو القياس علي نظائره . فإن قلت : ما معني وصف الله تعالي بالرحمة و معناها العطف و الحنو و منها الرحم لانعطافها علي ما فيها ؟ قلت : هو مجاز عن إنعامه علي عباده ، لان الملك إذا عطف علي رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه و إنعامه ، كما أنه إذا أدركته الفظاظة و القسوة عنف بهم و منعهم خيره و معروفه . فإن قلت : فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين علي ما هو دونه ، و القياس الترقي من الادني إلي الاعلي كقولهم : فلان عالم نحرير، و شجاع باسل ، و جواد فياض ؟ قلت ، لما قال (الرحمن ) فتناول جلائل النعم و عظئمها و أصولها، أردفه (الرحيم ) كالتتمة و الرديف ليتناول ما دق منها و لطف .

2 - الحمد و المدح أخوان ، و هو الثناء و النداء علي الجميل من نعمة و غيرها. تقول : حمدت الرجل علي إنعامه ، و حمدته علي حسبه و شجاعته . و أما الشكر فعلي النعمة خاصة و هو بالقلب واللسان و الجوارح قال : أفاد تكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا و الحمد باللسان وحده ، فهو إحدي شعب الشكر، و منه قوله عليه السلام : " الحمد رأس الشكر، ما شكرالله عبد لم يحمده " و إنما جعله رأس الشكر، لان ذكر النعمة باللسان و الثناء علي موليها، أشيع لها و أدل علي مكانها من الاعتقاد و آداب الجوارح لخفاء عمل القلب ، و ما في عمل الجوارح من الاحتمال ، بخلاف عمل اللسان و هو النطق الذي يفصح عن كل خفي و يجلي كل مشتبه . و الحمد نقيضه الذم ، و الشكر نقيضه الكفران ، و ارتفاع الحمد بالابتداء و خبره الظرف الذي هو لله و أصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله علي أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معني الاخبار، كقولهم : شكرا، و كفرا، و عجبا، و ما أشبه ذلك ، و منها : سبحانك ، و معاذ الله ، ينزلونها منزلة أفعالها و يسدون بها مسدها، لذلك لا يستعملونها معها و يجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، و العدل بها عن النصب إلي الرفع علي الابتداء للدلالة علي ثبات المعني و استقراره . و منه قوله تعالي : (قالوا سلاما قال سلام )، رفع السلام الثاني للدلالة علي أن إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم ، لان الرفع دال علي معني ثبات السلام لهم دون تجدده و حدوثه . و المعني : نحمد الله حمدا، و لذلك قيل : (إياك نعبد و إياك نستعين )، لانه بيان لحمدهم له ، كأنه قيل : كيف تحمدون ؟ فقيل : إياك نعبد. فإن قلت : ما معني التعريف فيه ؟ قلت : هو نحو التعريف في أرسلها العراك ، و هو تعريف الجنس ، و معناه الاشارة إلي ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو، و العراك ما هو، من بين أجناس الافعال . و الاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس و هم منهم . و قرأ الحسن البصري : (الحمد لله ) بكسر الدال لاتباعها اللام . و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة : (الحمد لله ) بضم اللام لاتباعها الدال ، و الذي جسرهما علي ذلك و الاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل و مغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين ، و أشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للاعرابية التي هي أقوي ، بخلاف قراءة الحسن . الرب : المالك . و منه قول صفوان لابي سفيان : لان يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . تقول : ربه يربه فهو رب ، كما تقول : نم عليه ينم فهو نم .و يجوز أن يكون و صفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ، و لم يطلقوا الرب إلا في الله وحده ، و هو في غيره علي التقيد بالاضافة، كقولهم : رب الدار، و رب الناقة، و قوله تعالي : (ارجع إلي ربك )، (إنه ربي أحسن مثواي ). و قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما : (رب العالمين ) بالنصب علي المدح ، و قيل بما دل عليه (الحمدلله )، كأنه قيل : نحمد الله رب العالمين . العالم : اسم لذوي العلم من الملائكة و الثقلين ، و قيل : كل ما علم به الخالق من الاجسام و الاعراض . فإن قلت : لم جمع ؟ قلت : ليشمل كل جنس مما سمي به . فإن قلت : هو اسم غير صفة، و إنما تجمع بالواو و النون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الاعلام . قلت : ساغ ذلك لمعني الوصفية فيه و هي الدلالة علي معني العلم .

3 - الحمد و المدح أخوان ، و هو الثناء و النداء علي الجميل من نعمة و غيرها. تقول : حمدت الرجل علي إنعامه ، و حمدته علي حسبه و شجاعته . و أما الشكر فعلي النعمة خاصة و هو بالقلب واللسان و الجوارح قال : أفاد تكم النعماء مني ثلاثة يدي و لساني و الضمير المحجبا و الحمد باللسان وحده ، فهو إحدي شعب الشكر، و منه قوله عليه السلام : " الحمد رأس الشكر، ما شكرالله عبد لم يحمده " و إنما جعله رأس الشكر، لان ذكر النعمة باللسان و الثناء علي موليها، أشيع لها و أدل علي مكانها من الاعتقاد و آداب الجوارح لخفاء عمل القلب ، و ما في عمل الجوارح من الاحتمال ، بخلاف عمل اللسان و هو النطق الذي يفصح عن كل خفي و يجلي كل مشتبه . و الحمد نقيضه الذم ، و الشكر نقيضه الكفران ، و ارتفاع الحمد بالابتداء و خبره الظرف الذي هو لله و أصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله علي أنه من المصادر التي تنصبها العرب بأفعال مضمرة في معني الاخبار، كقولهم : شكرا، و كفرا، و عجبا، و ما أشبه ذلك ، و منها : سبحانك ، و معاذ الله ، ينزلونها منزلة أفعالها و يسدون بها مسدها، لذلك لا يستعملونها معها و يجعلون استعمالها كالشريعة المنسوخة، و العدل بها عن النصب إلي الرفع علي الابتداء للدلالة علي ثبات المعني و استقراره . و منه قوله تعالي : (قالوا سلاما قال سلام )، رفع السلام الثاني للدلالة علي أن إبراهيم عليه السلام حياهم بتحية أحسن من تحيتهم ، لان الرفع دال علي معني ثبات السلام لهم دون تجدده و حدوثه . و المعني : نحمد الله حمدا، و لذلك قيل : (إياك نعبد و إياك نستعين )، لانه بيان لحمدهم له ، كأنه قيل : كيف تحمدون ؟ فقيل : إياك نعبد. فإن قلت : ما معني التعريف فيه ؟ قلت : هو نحو التعريف في أرسلها العراك ، و هو تعريف الجنس ، و معناه الاشارة إلي ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو، و العراك ما هو، من بين أجناس الافعال . و الاستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس و هم منهم . و قرأ الحسن البصري : (الحمد لله ) بكسر الدال لاتباعها اللام . و قرأ إبراهيم بن أبي عبلة : (الحمد لله ) بضم اللام لاتباعها الدال ، و الذي جسرهما علي ذلك و الاتباع إنما يكون في كلمة واحدة كقولهم منحدر الجبل و مغيرة تنزل الكلمتين منزلة كلمة لكثرة استعمالهما مقترنتين ، و أشف القراءتين قراءة إبراهيم حيث جعل الحركة البنائية تابعة للاعرابية التي هي أقوي ، بخلاف قراءة الحسن . الرب : المالك . و منه قول صفوان لابي سفيان : لان يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن . تقول : ربه يربه فهو رب ، كما تقول : نم عليه ينم فهو نم .و يجوز أن يكون و صفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل ، و لم يطلقوا الرب إلا في الله وحده ، و هو في غيره علي التقيد بالاضافة، كقولهم : رب الدار، و رب الناقة، و قوله تعالي : (ارجع إلي ربك )، (إنه ربي أحسن مثواي ). و قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما : (رب العالمين ) بالنصب علي المدح ، و قيل بما دل عليه (الحمدلله )، كأنه قيل : نحمد الله رب العالمين . العالم : اسم لذوي العلم من الملائكة و الثقلين ، و قيل : كل ما علم به الخالق من الاجسام و الاعراض . فإن قلت : لم جمع ؟ قلت : ليشمل كل جنس مما سمي به . فإن قلت : هو اسم غير صفة، و إنما تجمع بالواو و النون صفات العقلاء أو ما في حكمها من الاعلام . قلت : ساغ ذلك لمعني الوصفية فيه و هي الدلالة علي معني العلم .

4 - قري : ملك يوم الدين ، و مالك ، و ملك بتخفيف اللام . و قرأ أبو حنيفة رضي الله عنه : ملك يوم الدين ، بلفظ الفعل و نصب اليوم ، و قرأ أبو هريرة رضي الله عنه : مالك بالنصب . و قرأ غيره : ملك ، و هو نصب علي المدح ، و منهم من قرأ : مالك ، بالرفع . و ملك : هو الاختيار، لانه قراءة أهل الحرمين ، و لقوله : (لمن الملك اليوم )، و لقوله : (ملك الناس )، و لان الملك يعم و الملك يخص . و يوم الدين : يوم الجزاء. و منه قولهم : " كما تدين تدان " و بيت الحماسة : و لم يبق سوي العدوا ن دناهم كما دانوا فإن قلت : ما هذه الاضافة ؟ قلت : هي إضافة اسم الفاعل إلي الظرف علي طريق الاتساع ، مجري مجري المفعول به كقولهم : يا سارق الليلة أهل الدار، و المعني علي الظرفية. و معناه : مالك الامر كله في يوم الدين ، كقوله : (لمن الملك اليوم ). فإن قلت : فإضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية فلا تكون معطية معني التعريف ، فكيف ساغ وقوعه صفة للمعرفة ؟ قلت : إنما تكون غير حقيقية إذا أريد باسم الفاعل الحال أو الاستقبال ، فكان في تقدير الانفصال ، كقولك : مالك الساعة، أو غدا. فأما إذا قصد معني الماضي ، كقولك : هو مالك عبده أمس ، أو زمان مستمر، كقولك : زيد مالك العبيد، كانت الاضافة حقيقية، كقولك : مولي العبيد، و هذا هو المعني في (مالك يوم الدين )، و يجوز أن يكون المعني : ملك الامور يوم الدين ، كقوله : (و نادي أصحاب الجنة)، (و نادي أصحاب الاعراف )، و الدليل عليه قراءة أبي حنيفة : (ملك يوم الدين )، و هذه الاوصاف التي أجريت علي الله سبحانه من كونه ربا مالكا للعالمين لا يخرج منهم شي ء من ملكوته و ربوبيته ، و من كونه منعما بالنعم كلها الظاهرة و الباطنة و الجلائل و الدقائق ، و من كونه مالكا للامر كله في العاقبة يوم الثواب و العقاب بعد الدلالة علي اختصاص الحمد به و أنه به حقيق في قوله الحمد لله دليل علي أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه بالحمد والثناء عليه بما هو أهله .

5 - (إيا) ضمير منفصل للمنصوب ، و اللوا حق التي تلحقه من الكاف و الهاء و الياء في قولك : إياك ، و إياه ، و إياي ، لبيان الخطاب و الغيبة و التكلم ، و لامحل لها من الاعراب ، كما لا محل للكاف في أرأيتك ، و ليست بأسماء مضمرة، و هو مذهب الاخفش و عليه المحققون ، و أما ما حكاه الخليل عن بعض العرب : " إذا بلغ الرجل الستين فإياه و إيا الشواب " فشي ء شاذ لايعول عليه ، و تقديم المفعول لقصد الاختصاص ، كقوله تعالي : (قل أفغير الله تأمروني أعبد)، (قل أغير الله أبغي ربا). و المعني نخصك بالعبادة، و نخصك بطلب المعونة. و قري : إياك بتخفيف الياء، و أياك بفتح الهمزة و التشديد، و هياك بقلب الهمزة هاء. قال طفيل الغنوي : فهياك و الامر الذي إن تراحبت موارده ضاقت عليك مصادره و العبادة أقصي غاية الخضوع و التذلل . و منه ثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة و قوة النسج ، و لذلك لم تستعمل إلا في الخضوع لله تعالي ، لانه مولي أعظم النعم فكان حقيقا بأقصي غاية الخضوع . فإن قلت : لم عدل عن لفظ الغيبة إلي لفظ الخطاب ؟ قلت : هذا يسمي الالتفات في علم البيان قد يكون من الغيبة إلي الخطاب ، ومن الخطاب إلي الغيبة، و من الغيبة إلي التكلم ، كقوله تعالي :( حتي اذا كنتم في الفلك وجرين بهم ). و قوله تعالي : (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه ). وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات : تطاول ليلك بالاثمد و نام الخلي و لم ترقد و بات و باتت له ليلة كليلة ذي العائر الارمد و ذلك من نبإ جاءني و خبرته عن أبي الاسود و ذلك علي عادة افتنانهم في الكلام و تصرفهم فيه ، و لان الكلام إذا نقل من أسلوب إلي أسلوب ، كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع ، و إيقاظا للاصغاء إليه من إجرائه علي أسلوب واحد، و قد تختص مواقعه بفوائد. و مما اختص به هذا الموضع : أنه لما ذكر الحقيق بالحمد، و أجري عليه تلك الصفات العظام ، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء و غاية الخضوع و الاستعانه في المهمات ، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات ، فقيل : إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة و الاستعانة، لا نعبد غيرك و لا نستعينه ، ليكون الخطاب أدل علي أن العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به . فإن قلت : لم قرنت الاستعانة بالعبادة ؟ قلت : ليجمع بين ما يتقرب به العباد إلي ربهم و بين ما يطلبونه و يحتاجون إليه من جهته . فإن قلت : فلم قدمت العبادة علي الاستعانة ؟ قلت : لان تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الاجابة إليها. فإن قلت : لم أطلقت الاستعانة ؟ قلت : ليتناول كل مستعان فيه ، و الا حسن أن تراد الاستعانة به و بتوفيقه علي أداء العبادة، و يكون قوله : (اهدنا) بيانا للمطلوب من المعونة، كأنه قيل : كيف أعينكم ؟ فقالو : اهدنا الصراط المستقيم ، و إنما كان أحسن لتلاؤم الكلام و أخذ بعضه بحجزة بعض . و قرأ ابن حبيش : نستعين ، بكسر النون .

6 - هدي أصله أن يتعدي باللام أو بإلي ، كقوله تعالي : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )، (و إنك لتهدي إلي صراط مستقيم )، فعومل معاملة اختار في قوله تعالي : (و اختار موسي قومه ). و معني طلب الهداية و هم مهتدون طلب زيادة الهدي بمنح الالطاف ، كقوله تعالي : (والذين اهتدوا زادهم هدي )، (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). و عن علي و أبي رضي الله عنهما : اهدنا ثبتنا، و صيغة الامر و الدعاء واحدة، لان كل واحد منهما طلب ، و إنما يتفاوتان في الرتبة. و قرأ عبدالله : أرشدنا. (السراط) الجادة، من سرط الشي ء إذا ابتلعه ، لانه يسترط السابلة إذا سلكوه ، كما سمي : لقما، لانه يلتقمهم . و الصراط من قلب السين صادا لاجل الطاء، كقوله : مصيطر، في مسيطر، و قد تشم الصاد صوت الزاي ، و قري بهن جميعا، و فصاحهن إخلاص الصاد، و هي لغة قريش و هي الثابتة في الامام ، و يجمع سرطا، نحو كتاب و كتب ، و يذكر و يؤنث كالطريق و السبيل ، و المراد طريق الحق و هو ملة الاسلام .

7 - (صراط الذين أنعمت عليهم ) بدل من الصراط المستقيم ، و هو في حكم تكرير العامل ، كأنه قيل : اهدنا الصراط المستقيم ، اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، كما قال : (الذين استضعفوا لمن آمن منهم ). فإن قلت : ما فائدة البدل ؟ و هلا قيل اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ؟ قلت : فائدته التوكيد لما فيه من التثنية و التكرير، و الاشعار بأن الطريق المستقيم بيانه و تفسيره : صراط المسلمين ، ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة علي أبلغ وجه وآ كده ، كما تقول : هل أدلك علي أكرم الناس و أفضلهم ؟ فلان ، فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم و الفضل من قولك : هل أدلك علي فلان الاكرم الافضل ، لانك ثنيت ذكره مجملا أولا، و مفصلا ثانيا، و أوقعت فلانا تفسيرا و إيضاحا للاكرم الافضل فجعلته علما في الكرم و الفضل ، فكأنك قلت : من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان ، فهو المشخص المعين لاجتماعهما فيه غير مدافع و لامنازع . و الذين أنعمت عليهم : هم المؤمنون ، و أطلق الانعام ليشمل كل إنعام ، لان من أنعم عليه بنعمة الاسلام لم تبق نعمة إلا أصابته و اشتملت عليه . و عن ابن عباس : هم أصحاب موسي قبل أن يغيروا، و قيل هم الانبياء. و قرأ ابن مسعود : (صراط من أنعمت عليهم ) (غير المغضوب عليهم ) بدل من الذين أنعمت عليهم ، علي معني أن المنعم عليهم : هم الذين سلموا من غضب الله و الضلال ، أو صفة علي معني أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة و هي نعمة الايمان ، و بين السلامة من غضب الله و الضلال . فإن قلت : كيف صح أن يقع (غير) صفة للمعرفة و هو لايتعرف و إن أضيف إلي المعارف ؟ قلت : (الذين أنعمت عليهم ) لاتوقيت فيه كقوله : * و لقد أمر علي الليم يسبني * و لان المغضوب عليهم و الضالين خلاف المنعم عليهم ، فليس في غير إذا الابهام الذي يأبي عليه أن يتعرف ، و قري بالنصب علي الحال و هي قراءة رسول الله صلي الله عليه و سلم و عمر بن الخطاب ، و رويت عن ابن كثير. و ذوالحال الضمير في عليهم ، و العامل أنعمت ، و قيل المغضوب عليهم : هم اليهود، لقوله عز و جل : (من لعنه الله و غضب عليه ). و الضالون : هم النصاري ، لقوله تعالي :(قد ضلوا من قبل ). فإن قلت : ما معني غضب الله ؟ قلت : هو إرادة الانتقام من العصاة، و إنزال العقوبة بهم ، و أن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب علي من تحت يده نعوذ بالله من غضبه ، و نسأله رضاه و رحمته . فإن قلت : أي فرق بين (عليهم ) الاولي و (عليهم ) الثانية ؟ قلت : الاولي محلها النصب علي المفعولية، و الثانية محلها الرفع علي الفاعلية. فإن قلت : لم دخلت (لا) في (و لا الضالين ) ؟ قلت : لما في غير من معني النفي ، كأنه قيل : لا المغضوب عليهم و لا الضالين . و تقول : أنا زيدا غير ضارب ، مع امتناع قولك : أنا زيدا مثل ضارب ، لانه بمنزلة قولك أنا زيدا لاضارب . و عن عمر و علي رضي الله عنهما أنهما قرآ : و غير الضالين . و قرأ أيوب السختياني : و لا الضألين بالهمز، كما قرأ عمرو بن عبيد : (و لا جأن ) و هذه لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين . و منها ما حكاه أبو زيد من قولهم : شأبة، و دأبة. آمين : صوت سمي به الفعل الذي هو استجب ، كما أن " رويد، و حيهل ، وهلم " أصوات سميت بها الافعال التي هي "أمهل و أسرع ، و أقبل ". و عن ابن عباس : سألت رسول الله صلي الله عليه و سلم عن معني آمين فقال : "افعل " و فيه لغتان : مد ألفه ، و قصرها. قال : * و يرحم الله عبدا قال آمينا * و قال : * أمين فزاد الله ما بيننا بعدا * و عن النبي صلي الله عليه و سلم : "لقنني جبريل عليه السلام آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب و قال : إنه كالختم علي الكتاب "، و ليس من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف . و عن الحسن : لايقولها الامام لانه الداعي . و عن أبي حنيفة رحمه الله مثله ، و المشهور عنه و عن أصحابه أنه يخفيها. و روي الاخفاء عبد الله بن مغفل و أنس عن رسول الله صلي الله عليه و سلم . و عند الشافعي يجهر بها. و عن وائل بن حجر أن النبي صلي الله عليه و سلم كان إذا قرأ : و لا الضالين ، قال آمين و رفع بها صوته . و عن رسول الله صلي الله عليه و سلم أنه قال لابي بن كعب : "ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة و الانجيل و القرآن مثلها ؟ قلت : بلي يا رسول الله . قال :" فاتحة الكتاب إنها السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيته " و عن حذيفة بن اليمان أن النبي صلي الله عليه و سلم قال : "إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب (الحمد لله رب العالمين ) فيسمعه الله تعالي فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة"

مشخصات :
قرآن تبيان- جزء 1 - حزب 1 - سوره حمد - صفحه 1
قرائت ترتیل سعد الغامدی-آيه اي-باکیفیت(MP3)
بصورت فونتی ، رسم الخط quran-simple-enhanced ، فونت قرآن طه
با اندازه فونت 25px
بصورت تصویری ، قرآن عثمان طه با کیفیت بالا

مشخصات ترجمه یا تفسیر :
تفسیر کشاف

انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
خدمات تلفن همراه
مراجعه: 87,961,744