خدمات تلفن همراه

قرآن تبيان- جزء 3 - حزب 5 - سوره بقره - صفحه 42


تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن کَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَیْنَا عِیسَى ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَلَکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن کَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَکِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ
253 - (تلك الرسل ) إشارة إلي جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في السورة ، أو التي ثبت علمها عند رسول الله صلي الله عليه و سلم (فضلنا بعضهم علي بعض ) لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات (منهم من كلم الله ) منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير و هو موسي عليه السلام . و قرئ (كلم الله ) بالنصب . و قرأ اليماني : كالم الله ، من المكالمه ، و يدل عليه قولهم : كليم الله ، بمعني مكالمه (و رفع بعضهم درجات ) أي و منهم من رفعه علي سائر الأنبياء ، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة . و الظاهر أنه أراد محمدا صلي الله عليه و سلم لأنه هو المفضل عليهم ، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الَيات المتكاثرة المرتقية إلي ألف آية أو أكثر . و لو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفي به فضلا منيفا علي سائر ما أوتي الأنبياء ، لأنه المعجزة الباقية علي وجه الدهر دون سائر المعجزات . و في هذا الإبهام من تفخيم فضله و إعلاء قدره مالا يخفي ، لما فيه من الشهادة علي أنه العلم الذي لايشتبه ، و المتميز الذي لايلتبس . و يقال للرجل : من فعل هذا ؟ فيقول : أحدكم أو بعضكم ، يريد به الذي تعورف و اشتهر بنحوه من الأفعال ، فيكون أفخم من التصريح به و أنوه بصاحبه . و سئل الحطيئة عن أشعر الناس ؟ فذكر زهيرا و النابغة ثم قال : ولو شئت لذكرت الثالث ، أراد نفسه ، ولو قال : ولو شئت لذكرت نفسي ، لم يفخم أمره . و يجوز أن يريد : إبراهيم و محمدا و غيرهما من أولي العزم من الرسل . و عن ابن عباس رضي الله عنه : كنا في المسجد نتذاكر فضل الأنبياء ، فذكرنا نوحا بطول عبادته ، و إبراهيم بخلته ، و موسي بتكليم الله إياه ، و عيسي برفعه إلي السماء ، و قلنا : رسول الله أفضل منهم ، بعث إلي الناس كافة ، و غفرله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و هو خاتم الأنبياء . فدخل عليه السلام فقال : فيم أنتم ؟ فذكرنا له . فقال : لا ينبغي لأحد أن يكون خيرا من يحيي بن زكريا ، فذكر أنه لم يعمل سيئة قط و لم يهم بها . فإن قلت : فلم خص موسي و عيسي من بين الأنبياء بالذكر ؟ قلت : لما أوتيا من الَيات العظيمة و المعجزات الباهرة . و لقد بين الله وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل و هو آية من الَيات ، فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الَيات خصا بالذكر في باب التفضيل . و هذا دليل بين أن من زيد تفضيلا بالَيات منهم فقد فضل علي غيره . و لما كان نبينا صلي الله عليه و سلم هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها و عظمها ، كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع ، اللهم ارزقنا شفاعته يوم الدين (و لو شاء الله ) مشيئة إلجاء و قسر (ما اقتتل الذين ) من بعد الرسل ، لاختلافهم في الدين ، و تشعب مذاهبهم ، و تكفير بعضهم بعضا (و لكن اختلفوا فمنهم من آمن ) لالتزامه دين الأنبياء (و منهم من كفر) لإعراضه عنه (و لو شاء الله ما اقتتلوا) كرره للتأكيد ( و لكن الله يفعل ما يريد) من الخذلان و العصمة
یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاکُم مِّن قَبْلِ أَن یَأْتِیَ یَوْمٌ لَّا بَیْعٌ فِیهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْکَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
254 - (أنفقوا مما رزقناكم ) أراد الإنفاق الواجب لاتصال الوعيد به (من قبل أن يأتي يوم ) لاتقدرون فيه علي تدارك مافاتكم من الانفاق لأنه (لابيع فيه ) حتي تبتاعوا ماتنفقونه (و لا خلة) حتي يسامحكم أخلاؤكم به . و إن أردتم أن يحط عنكم ما في ذمتكم من الواجب لم تجدوا شفيعا يشفع لكم في حط الواجبات ، لأن الشفاعة ثمة في زيادة الفضل لاغير (و الكافرون هم الظالمون ) أراد و التاركون الزكاة هم الظالمون ، فقال (و الكافرون ) للتغليظ . كما قال في آخر آية الحج (و من كفر) مكان : و من لم يحج ، و لأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله (و ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) و قرئ لابيع فيه و لاخلة و لا شفاعة ، بالرفع .
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا یَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ
255 - (الحي ) الباقي الذي لاسبيل عليه للفناء ، وهو علي اصطلاح المتكلمين الذي يصح أن يعلم و يقدر . و (القيوم ) الدائم القيام بتدبير الخلق و حفظه . و قرئ : القيام ، و القيم . و السنة : ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمي النعاس . قال ابن الرقاع العاملي : و سنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة و ليس بنائم أي لا يأخذه نعاس و لا نوم وهو تأكيد للقيوم ، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما . و منه حديث موسي : أنه سأل الملائكة و كان ذلك من قومه كطلب الرؤية : أينام ربنا ؟ فأوحي الله إليهم أن يوقظوه ثلاثا و لا يتركوه ينام ، ثم قال : خذ بيدك قارورتين مملوءتين . فأخذهما ، و ألقي الله عليه النعاس فضرب إحداهما علي الأخري فانكسرتا ، ثم أوحي إليه : قل لهؤلاء إني أمسك السموات و الأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا (من ذا الذي يشفع عنده ) بيان لملكوته و كبريائه ، و أن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام ، كقوله تعالي (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ) (يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم ) ما كان قبلهم و ما يكون بعدهم . و الضمير لما في السموات و الأرض لأن فيهم العقلاء ، أو لما دل عليه (من ذا) من الملائكة و الأنبياء (من علمه ) من معلوماته (إلا بما شاء) إلا بما علم . الكرسي : ما يجلس عليه ، و لا يفضل عن مقعد القاعد . و في قوله (وسع كرسيه ) أربعة أوجه : أحدها أن كرسيه لم يضق عن السموات و الأرض لبسطته وسعته ، و ما هو إلا تصوير لعظمته و تخييل فقط ، و لا كرسي ثمة و لا قعود و لا قاعد ، كقوله (و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه ) من غير تصور قبضة و طي و يمين ، و إنما هو تخييل لعظمة شأنه و تمثيل حسي . ألا تري إلي قوله (و ما قدروا الله حق قدره ) . و الثاني : وسع علمه و سمي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم . و الثالث : وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك و الرابع : ماروي أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات و الأرض ، و هو إلي العرش كأصغر شي ء . و عن الحسن : الكرسي هو العرش (و لا يؤده ) و لا يثقله و لا يشق عليه (حفظهما) حفظ السموات و الأرض (و هو العلي ) الشأن (العظيم ) الملك و القدرة . فإن قلت : كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف ؟ قلت : ما منها جملة إلا وهي واردة علي سبيل البيان لما ترتبت عليه و البيان متحد بالمبين ، فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب : بين العصا و لحائها ، فالأولي بيان لقيامه بتدبير الخلق و كونه مهيمنا عليه غير ساه عنه . و الثانية لكونه مالكا لما يدبره . و الثالثة لكبرياء شأنه . و الرابعة لإحاطته بأحوال الخلق ، و علمه بالمرتضي منهم المستوجب للشفاعة ، و غير المرتضي . و الخامسة لسعة علمه و تعلقه بالمعلومات كلها ، أو لجلاله و عظم قدره . فان قلت : لم فضلت هذه الَية حتي ورد في فضلها ماورد منه قوله صلي الله عليه و سلم : ما قرئت هذه الَية في دار إلا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يوما و لا يدخلها ساحر و لا ساحرة أربعين ليلة ، يا علي علمها ولدك و أهلك و جيرانك ، فما نزلت آية أعظم منها و عن علي رضي الله عنه : سمعت نبيكم صلي الله عليه و سلم علي أعواد المنبر وهو يقول : "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، و لا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، و من قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله علي نفسه و جاره و جار جاره و الأبيات حوله ". و تذاكر الصحابة رضوان الله عليهم أفضل ما في القرآن ، فقال لهم علي رضي الله عنه : أين أنتم عن آية الكرسي ، ثم قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه و سلم "يا علي ، سيد البشر آدم ، و سيد العرب محمد و لا فخر ، و سيد الفرس سلمان ، و سيد الروم صهيب ، و سيد الحبشة بلال ، و سيد الجبال الطور ، و سيد الأيام يوم الجمعة ، و سيد الكلام القرآن ، و سيد القرآن البقرة ، و سيد البقرة آية الكرسي " قلت : لما فضلت له سورة الأخلاص لاشتمالها علي توحيد الله و تعظيمه و تمجيده و صفاته العظمي ، و لا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار . و بهذا يعلم أن أشرف العلوم و أعلاها منزلة عند الله علم أهل العدل و التوحيد و لا يغرنك عنه كثرة أعدائه : ف إن العرانين تلقاها محسده و لا تري للئام الناس حسادا
لَا إِکْرَاهَ فِی الدِّینِ قَد تَّبَیَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَیِّ فَمَن یَکْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَیُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَکَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ
256 - (لا إكراه في الدين ) أي لم يجر الله أمر الإيمان علي الإجبار و القسر ، ولكن علي التمكين و الاختيار . و نحوه قوله تعالي (ولو شاء ربك لَمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين ) أي لوشاء لقسرهم علي الأيمان ولكنه لم يفعل ، و بني الأمر علي الاختيار (قد تبين الرشد من الغي ) قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة (فمن يكفر بالطاغوت ) فمن اختار الكفر بالشيطان أو الأصنام و الإيمان بالله (فقد استمسك بالعروة الوثقي ) من الحبل الوثيق المحكم ، المأمون انفصامها ، أي انقطاعها ، و هذا تمثيل للمعلوم بالنظر ، و الاستدلال بالمشاهد المحسوس ، حتي يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه ، فيحكم اعتقاده و التيقن به . و قيل : هو إخبار في معني النهي ، أي لاتتكرهوا في الدين . ثم قال بعضهم : هو منسوخ بقوله (جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم ) و قيل : هو في أهل الكتاب خاصة لأنهم حصنوا أنفسهم بأداء الجزية . وروي أنه كان لأنصاري من بني سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل أن يبعث رسول الله صلي الله عليه و سلم ، ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما و قال : و الله لا أدعكما حتي تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلي رسول الله صلي الله عليه و سلم فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار و أنا أنظر ؟ فنزلت ، فخلاهما

صفحه : 42
بزرگتر  کوچکتر  بدون ترجمه  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
قرآن  عثمان طه با کیفیت بالا صفحه 42
تصویر  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 

253 - (تلك الرسل ) إشارة إلي جماعة الرسل التي ذكرت قصصها في السورة ، أو التي ثبت علمها عند رسول الله صلي الله عليه و سلم (فضلنا بعضهم علي بعض ) لما أوجب ذلك من تفاضلهم في الحسنات (منهم من كلم الله ) منهم من فضله الله بأن كلمه من غير سفير و هو موسي عليه السلام . و قرئ (كلم الله ) بالنصب . و قرأ اليماني : كالم الله ، من المكالمه ، و يدل عليه قولهم : كليم الله ، بمعني مكالمه (و رفع بعضهم درجات ) أي و منهم من رفعه علي سائر الأنبياء ، فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم درجات كثيرة . و الظاهر أنه أراد محمدا صلي الله عليه و سلم لأنه هو المفضل عليهم ، حيث أوتي ما لم يؤته أحد من الَيات المتكاثرة المرتقية إلي ألف آية أو أكثر . و لو لم يؤت إلا القرآن وحده لكفي به فضلا منيفا علي سائر ما أوتي الأنبياء ، لأنه المعجزة الباقية علي وجه الدهر دون سائر المعجزات . و في هذا الإبهام من تفخيم فضله و إعلاء قدره مالا يخفي ، لما فيه من الشهادة علي أنه العلم الذي لايشتبه ، و المتميز الذي لايلتبس . و يقال للرجل : من فعل هذا ؟ فيقول : أحدكم أو بعضكم ، يريد به الذي تعورف و اشتهر بنحوه من الأفعال ، فيكون أفخم من التصريح به و أنوه بصاحبه . و سئل الحطيئة عن أشعر الناس ؟ فذكر زهيرا و النابغة ثم قال : ولو شئت لذكرت الثالث ، أراد نفسه ، ولو قال : ولو شئت لذكرت نفسي ، لم يفخم أمره . و يجوز أن يريد : إبراهيم و محمدا و غيرهما من أولي العزم من الرسل . و عن ابن عباس رضي الله عنه : كنا في المسجد نتذاكر فضل الأنبياء ، فذكرنا نوحا بطول عبادته ، و إبراهيم بخلته ، و موسي بتكليم الله إياه ، و عيسي برفعه إلي السماء ، و قلنا : رسول الله أفضل منهم ، بعث إلي الناس كافة ، و غفرله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و هو خاتم الأنبياء . فدخل عليه السلام فقال : فيم أنتم ؟ فذكرنا له . فقال : لا ينبغي لأحد أن يكون خيرا من يحيي بن زكريا ، فذكر أنه لم يعمل سيئة قط و لم يهم بها . فإن قلت : فلم خص موسي و عيسي من بين الأنبياء بالذكر ؟ قلت : لما أوتيا من الَيات العظيمة و المعجزات الباهرة . و لقد بين الله وجه التفضيل حيث جعل التكليم من الفضل و هو آية من الَيات ، فلما كان هذان النبيان قد أوتيا ما أوتيا من عظام الَيات خصا بالذكر في باب التفضيل . و هذا دليل بين أن من زيد تفضيلا بالَيات منهم فقد فضل علي غيره . و لما كان نبينا صلي الله عليه و سلم هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها و عظمها ، كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع ، اللهم ارزقنا شفاعته يوم الدين (و لو شاء الله ) مشيئة إلجاء و قسر (ما اقتتل الذين ) من بعد الرسل ، لاختلافهم في الدين ، و تشعب مذاهبهم ، و تكفير بعضهم بعضا (و لكن اختلفوا فمنهم من آمن ) لالتزامه دين الأنبياء (و منهم من كفر) لإعراضه عنه (و لو شاء الله ما اقتتلوا) كرره للتأكيد ( و لكن الله يفعل ما يريد) من الخذلان و العصمة

254 - (أنفقوا مما رزقناكم ) أراد الإنفاق الواجب لاتصال الوعيد به (من قبل أن يأتي يوم ) لاتقدرون فيه علي تدارك مافاتكم من الانفاق لأنه (لابيع فيه ) حتي تبتاعوا ماتنفقونه (و لا خلة) حتي يسامحكم أخلاؤكم به . و إن أردتم أن يحط عنكم ما في ذمتكم من الواجب لم تجدوا شفيعا يشفع لكم في حط الواجبات ، لأن الشفاعة ثمة في زيادة الفضل لاغير (و الكافرون هم الظالمون ) أراد و التاركون الزكاة هم الظالمون ، فقال (و الكافرون ) للتغليظ . كما قال في آخر آية الحج (و من كفر) مكان : و من لم يحج ، و لأنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار في قوله (و ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) و قرئ لابيع فيه و لاخلة و لا شفاعة ، بالرفع .

255 - (الحي ) الباقي الذي لاسبيل عليه للفناء ، وهو علي اصطلاح المتكلمين الذي يصح أن يعلم و يقدر . و (القيوم ) الدائم القيام بتدبير الخلق و حفظه . و قرئ : القيام ، و القيم . و السنة : ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمي النعاس . قال ابن الرقاع العاملي : و سنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة و ليس بنائم أي لا يأخذه نعاس و لا نوم وهو تأكيد للقيوم ، لأن من جاز عليه ذلك استحال أن يكون قيوما . و منه حديث موسي : أنه سأل الملائكة و كان ذلك من قومه كطلب الرؤية : أينام ربنا ؟ فأوحي الله إليهم أن يوقظوه ثلاثا و لا يتركوه ينام ، ثم قال : خذ بيدك قارورتين مملوءتين . فأخذهما ، و ألقي الله عليه النعاس فضرب إحداهما علي الأخري فانكسرتا ، ثم أوحي إليه : قل لهؤلاء إني أمسك السموات و الأرض بقدرتي ، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا (من ذا الذي يشفع عنده ) بيان لملكوته و كبريائه ، و أن أحدا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام ، كقوله تعالي (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ) (يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم ) ما كان قبلهم و ما يكون بعدهم . و الضمير لما في السموات و الأرض لأن فيهم العقلاء ، أو لما دل عليه (من ذا) من الملائكة و الأنبياء (من علمه ) من معلوماته (إلا بما شاء) إلا بما علم . الكرسي : ما يجلس عليه ، و لا يفضل عن مقعد القاعد . و في قوله (وسع كرسيه ) أربعة أوجه : أحدها أن كرسيه لم يضق عن السموات و الأرض لبسطته وسعته ، و ما هو إلا تصوير لعظمته و تخييل فقط ، و لا كرسي ثمة و لا قعود و لا قاعد ، كقوله (و ما قدروا الله حق قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه ) من غير تصور قبضة و طي و يمين ، و إنما هو تخييل لعظمة شأنه و تمثيل حسي . ألا تري إلي قوله (و ما قدروا الله حق قدره ) . و الثاني : وسع علمه و سمي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم . و الثالث : وسع ملكه تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك و الرابع : ماروي أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات و الأرض ، و هو إلي العرش كأصغر شي ء . و عن الحسن : الكرسي هو العرش (و لا يؤده ) و لا يثقله و لا يشق عليه (حفظهما) حفظ السموات و الأرض (و هو العلي ) الشأن (العظيم ) الملك و القدرة . فإن قلت : كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف ؟ قلت : ما منها جملة إلا وهي واردة علي سبيل البيان لما ترتبت عليه و البيان متحد بالمبين ، فلو توسط بينهما عاطف لكان كما تقول العرب : بين العصا و لحائها ، فالأولي بيان لقيامه بتدبير الخلق و كونه مهيمنا عليه غير ساه عنه . و الثانية لكونه مالكا لما يدبره . و الثالثة لكبرياء شأنه . و الرابعة لإحاطته بأحوال الخلق ، و علمه بالمرتضي منهم المستوجب للشفاعة ، و غير المرتضي . و الخامسة لسعة علمه و تعلقه بالمعلومات كلها ، أو لجلاله و عظم قدره . فان قلت : لم فضلت هذه الَية حتي ورد في فضلها ماورد منه قوله صلي الله عليه و سلم : ما قرئت هذه الَية في دار إلا اهتجرتها الشياطين ثلاثين يوما و لا يدخلها ساحر و لا ساحرة أربعين ليلة ، يا علي علمها ولدك و أهلك و جيرانك ، فما نزلت آية أعظم منها و عن علي رضي الله عنه : سمعت نبيكم صلي الله عليه و سلم علي أعواد المنبر وهو يقول : "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، و لا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، و من قرأها إذا أخذ مضجعه أمنه الله علي نفسه و جاره و جار جاره و الأبيات حوله ". و تذاكر الصحابة رضوان الله عليهم أفضل ما في القرآن ، فقال لهم علي رضي الله عنه : أين أنتم عن آية الكرسي ، ثم قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه و سلم "يا علي ، سيد البشر آدم ، و سيد العرب محمد و لا فخر ، و سيد الفرس سلمان ، و سيد الروم صهيب ، و سيد الحبشة بلال ، و سيد الجبال الطور ، و سيد الأيام يوم الجمعة ، و سيد الكلام القرآن ، و سيد القرآن البقرة ، و سيد البقرة آية الكرسي " قلت : لما فضلت له سورة الأخلاص لاشتمالها علي توحيد الله و تعظيمه و تمجيده و صفاته العظمي ، و لا مذكور أعظم من رب العزة فما كان ذكرا له كان أفضل من سائر الأذكار . و بهذا يعلم أن أشرف العلوم و أعلاها منزلة عند الله علم أهل العدل و التوحيد و لا يغرنك عنه كثرة أعدائه : ف إن العرانين تلقاها محسده و لا تري للئام الناس حسادا

256 - (لا إكراه في الدين ) أي لم يجر الله أمر الإيمان علي الإجبار و القسر ، ولكن علي التمكين و الاختيار . و نحوه قوله تعالي (ولو شاء ربك لَمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين ) أي لوشاء لقسرهم علي الأيمان ولكنه لم يفعل ، و بني الأمر علي الاختيار (قد تبين الرشد من الغي ) قد تميز الإيمان من الكفر بالدلائل الواضحة (فمن يكفر بالطاغوت ) فمن اختار الكفر بالشيطان أو الأصنام و الإيمان بالله (فقد استمسك بالعروة الوثقي ) من الحبل الوثيق المحكم ، المأمون انفصامها ، أي انقطاعها ، و هذا تمثيل للمعلوم بالنظر ، و الاستدلال بالمشاهد المحسوس ، حتي يتصوره السامع كأنه ينظر إليه بعينه ، فيحكم اعتقاده و التيقن به . و قيل : هو إخبار في معني النهي ، أي لاتتكرهوا في الدين . ثم قال بعضهم : هو منسوخ بقوله (جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم ) و قيل : هو في أهل الكتاب خاصة لأنهم حصنوا أنفسهم بأداء الجزية . وروي أنه كان لأنصاري من بني سالم بن عوف ابنان فتنصرا قبل أن يبعث رسول الله صلي الله عليه و سلم ، ثم قدما المدينة فلزمهما أبوهما و قال : و الله لا أدعكما حتي تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلي رسول الله صلي الله عليه و سلم فقال الأنصاري : يا رسول الله أيدخل بعضي النار و أنا أنظر ؟ فنزلت ، فخلاهما

مشخصات :
قرآن تبيان- جزء 3 - حزب 5 - سوره بقره - صفحه 42
قرائت ترتیل سعد الغامدی-آيه اي-باکیفیت(MP3)
بصورت فونتی ، رسم الخط quran-simple-enhanced ، فونت قرآن طه
با اندازه فونت 25px
بصورت تصویری ، قرآن عثمان طه با کیفیت بالا

مشخصات ترجمه یا تفسیر :
تفسیر کشاف

انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
خدمات تلفن همراه
مراجعه: 93,283,007