خدمات تلفن همراه

قرآن تبيان- جزء 4 - حزب 7 - سوره آل عمران - صفحه 62


لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَیْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِیمٌ
92 - (لن تنالوا البر) لن تبلغوا حقيقة البر ، و لن تكونوا أبرارا . و قيل : لن تنالوا بر الله وهو ثوابه (حتي تنفقوا مما تحبون ) حتي تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها و تؤثرونها كقوله (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) و كان السلف رحمهم الله إذا أحبوا شيئا جعلوه لله . وروي أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال : يارسول الله : إن أحب أموالي إلي بير حا فضعها يا رسول الله حيث أراك الله . فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم "بخ بخ ذاك مال رابح أو مال رائح و إني أري أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة : افعل يا رسول الله فقسمها في أقاربه . و جاء زيد ابن حارثة بفرس له كان يحبها فقال : هذه في سبيل الله ، فحمل عليها رسول الله صلي الله عليه و سلم أسامة بن زيد ، فكأن زيدا وجد في نفسه و قال : إنما أردت أن أتصدق به . فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم : أما إن الله تعالي قد قبلها منك . و كتب عمر رضي الله عنه إلي أبي موسي الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسري ، فلما جاءت أعجبته فقال : إن الله تعالي يقول (لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون ) فأعتقها . و نزل بأبي ذر ضيف فقال للراعي ائتني بخير إبلي فجاء بناقة مهزولة . فقال : خنتني ، قال : وجدت خير الإبل فحلها ، فذكرت يوم حاجتكم إليه فقال : إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي . و قرأ عبد الله : حتي تنفقوا بعض ماتحبون . و هذا دليل علي أن " من " في (مما تحبون ) للتبعيض . و نحوه : أخذت من المال . و من في (من شي ء) لتبيين ماتنفقوا ، أي من أي شي ء كان طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه (فإن الله ) عليم بكل شي ء تنفقونه فمجازيكم بحسبه .
کُلُّ الطَّعَامِ کَانَ حِلًّا لِّبَنِی إِسْرَائِیلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِیلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن کُنتُمْ صَادِقِینَ
93 - (كل الطعام ) كل المطعومات أو كل أنواع الطعام . و الحل مصدر . يقال : حل الشي ء حلا كقولك : ذلت الدابة ذلا ، و عز الرجل عزا ، و في حديث عائشة رضي الله عنها : كنت أطيبه لحله و حرمه و لذلك استوي في الوصف به المذكر و المؤنث و الواحد و الجمع . قال الله تعالي : لاهن حل لهم . و الذي حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام علي نفسه لحوم الإبل و ألبانها و قيل العروق . كان به عرق النسا ، فنذر إن شفي أن يحرم علي نفسه أحب الطعام إليه ، و كان ذلك أحبه إليه فحرمه . و قيل : أشارت عليه الأطباء باجتنابه ، ففعل ذلك بإذن من الله ، فهو كتحريم الله ابتداء و المعني أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة و تحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم و بغيهم لم يحرم منها شي ء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل علي نفسه فتبعوه علي تحريمه ، وهو رد علي اليهود و تكذيب لهم ، حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعي عليهم في قوله تعالي (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) إلي قوله تعالي (عذابا أليما) و في قوله (و علي الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر و من البقر و الغنم حرمنا عليهم شحومهما) إلي قوله (ذلك جزيناهم ببغيهم ) و جحود ماغاظهم و اشمأزوا منه وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم و ظلمهم ، فقالوا : لسنا بأول من حرمت عليه ، و ما هو إلا تحريم قديم ، كانت محرمة علي نوح و علي إبراهيم و من بعده من بني إسرائيل و هلم جرا ، إلي أن انتهي التحريم إلينا ، فحرمت علينا كما حرمت علي من قبلنا . و غرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي و الظلم و الصد عن سبيل الله و أكل الربا و أخذ أموال الناس بالباطل ، و ما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم مما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث بسبب ظلمهم و بغيهم ، لاتحريم قديم كما يدعونه ، فروي أنهم لم يجسروا علي إخراج التوراة و بهتوا وانقلبوا صاغرين ، و في ذلك الحجة البينة علي صدق النبي صلي الله عليه و سلم ، و علي جواز النسخ الذي ينكرونه
فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْکَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِکَ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ
94 - (فمن افتري علي الله الكذب ) بزعمه أن ذلك كان محرما علي بني إسرائيل قبل إنزال التوراة من بعد مالزمهم من الحجة القاطعة (فأولئك هم الظالمون ) المكابرون الذين لاينصفون من أنفسهم و لا يلتفتون إلي البينات .
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِیمَ حَنِیفًا وَمَا کَانَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ
95 - (قل صدق الله ) تعريض بكذبهم كقوله (ذلك جزيناهم ببغيهم و إنا لصادقون ) أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل و أنتم الكاذبون (فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا) و هي ملة الإسلام التي عليها محمد و من آمن معه ، حتي تتخلصوا من اليهودية التي و رطتكم في فساد دينكم و دنياكم ، حيث اضطرتكم إلي تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم ، و ألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم و لمن تبعه .
إِنَّ أَوَّلَ بَیْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِی بِبَکَّةَ مُبَارَکًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِینَ
96 - (وضع للناس ) صفة لبيت ، و الواضع هو الله عز و جل ، تدل عليه قراءة من قرأ (وضع للناس ) بتسمية الفاعل و هو الله . و معني وضع الله بيتا للناس ، أنه جعله متعبدا لهم ، فكأنه قال : إن أول متعبد للناس الكعبة . و عن رسول الله صلي الله عليه و سلم أنه سئل عن أول مسجد وضع للناس فقال : "المسجد الحرام ثم بيت المقدس " و سئل كم بينهما ؟ قال : "أربعون سنة" . و عن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له : أهو أول بيت ؟ قال : لا ، قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدي و الرحمة و البركة . و أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبناه قريش . و عن ابن عباس : هو أول بيت حج بعد الطوفان . و قيل : هو أول بيت ظهر علي وجه الماء عند خلق السماء و الأرض ، خلقه قبل الأرض بألفي عام ، و كان زبدة بيضاء علي الماء فدحيت الأرض تحته . و قيل : هو أول بيت بناه آدم في الأرض . و قيل : لما أهبط آدم قالت له الملائكة : طف حول هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام ، و كان في موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح ، فرفع في الطوفان إلي السماء الرابعة تطوف به ملائكة السموات (للذي ببكة) البيت الذي ببكة ، و هي علم للبلد الحرام ، و مكة و بكة لغتان فيه ، نحو قولهم : النبيط و النميط ، في اسم موضع بالدهناء . و نحوه من الاعتقاب : أمر راتب وراتم . و حمي مغمطة و مغبطة . و قيل : مكة البلد ، و بكة : موضع المسجد . و قيل : اشتقاقها من "بكه " إذا زحمه لازدحام الناس فيها . و عن قتادة : يبك الناس بعضهم بعضا الرجال و النساء ، يصلي بعضهم بين يدي بعض ، لايصلح ذلك إلا بمكة كأنها سميت ببكة و هي الزحمة . قال : إذا الشريب أخذته الاكه فخله حتي يبك بكه و قيل : تبك أعناق الجبابرة أي تدقها . لم يقصدها جبار إلا قصمه الله تعالي ( مباركا) كثيرالخير لما يحصل لمن حجه و اعتمره و عكف عنده و طاف حوله من الثواب و تكفير الذنوب ، و انتصابه علي الحال من المستكن في الظرف ، لأن التقدير للذي ببكة هو ، و العامل فيه المقدر في الظرف من فعل الاستقرار (و هدي للعالمين ) لأنه قبلتهم و متعبدهم
فِیهِ آیَاتٌ بَیِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِیمَ وَمَن دَخَلَهُ کَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا وَمَن کَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِیٌّ عَنِ الْعَالَمِینَ
97 - (مقام إبراهيم ) عطف بيان لقوله (آيات بينات ) . فإن قلت : كيف صح بيان الجماعة بالواحد ؟ قلت : فيه و جهان : أحدهما أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته علي قدرة الله و نبوة إبراهيم من تأثير قدمه في حجر صلد ، كقوله تعالي (إن إبراهيم كان أمة) و الثاني : اشتماله علي آيات لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، و غوصه فيها إلي الكعبين آية ، و إلانة بعض الصخر دون بعض آية ، و إبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة ، و حفظه مع كثرة أعدائه من المشركين و أهل الكتاب و الملاحدة ألوف سنة آية . و يجوز أن يراد : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، و أمن من دخله ، لأن الاثنين نوع من الجمع كالثلاثة و الأربعة . و يجوز أن تذكر هاتان الَيتان و يطوي ذكر غيرهما ، دلالة علي تكاثر الَيات ، كأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، و أمن من دخله ، و كثير سواهما . و نحوه في طي الذكر قول جرير : كانت حنيفة أثلاثا فثلثهمو من العبيد و ثلث من مواليها و منه قوله عليه السلام "حبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب ، و النساء ، و قرة عيني في الصلاة و قرأ ابن عباس و أبي و مجاهد و أبو جعفر المدني في رواية قتيبة : آية بينة ، علي التوحيد . و فيها دليل علي أن مقام إبراهيم واقع وحده عطف بيان . فإن قلت : كيف أجزت أن يكون مقام إبراهيم و الأمن عطف بيان للَيات ؟ و قوله (و من دخله كان آمنا) جملة مستأنفة إما ابتدائية و إما شرطية ؟ قلت : أجزت ذلك من حيث المعني ، لأن قوله (و من دخله كان آمنا) دل علي أمن داخله ، فكأنه قيل : فيه آيات بينات : مقام إبراهيم ، و أمن داخله . ألاتري أنك لو قلت : فيه آية بينة ، من دخله كان آمنا صح ، لأنه في معني قولك : فيه آية بينة ، أمن من دخله . فإن قلت : كيف كان سبب هذا الأثر ؟ قلت : فيه قولان : أحدهما أنه لما ارتفع بنيان الكعبة و ضعف إبراهيم عن رفع الحجارة قام علي هذا الحجر فغاصت فيه قدماه . و قيل : إنه جاء زائرا من الشام إلي مكة فقالت له امرأة إسمعيل : انزل حتي يغسل رأسك ، فلم ينزل ، فجاءته بهذا الحجر فوضعته علي شقه الأيمن ، فوضع قدمه عليه حتي غسلت شق رأسه ، ثم حولته إلي شقه الأيسر حتي غسلت الشق الَخر ، فبقي أثر قدميه عليه . و معني (و من دخله كان آمنا) معني قوله (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا و يتخطف الناس من حولهم ) و ذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام (رب اجعل هذا البلد آمنا) و كان الرجل لو جر كل جريرة لجأ إلي الحرم لم يطلب . و عن عمر رضي الله عنه "لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتي يخرج منه " و عند أبي حنيفة : من لزمه القتل في الحل بقصاص أوردة أو زني فالتجأ إلي الحرم لم يتعرض له ، إلا أنه لايؤوي و لايطعم و لايسقي و لايبايع حتي يضطر إلي الخروج . و قيل : آمنا من النار . و عن النبي صلي الله عليه و سلم "من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا" و عنه عليه الصلاة و السلام "الحجون و البقيع يؤخذ بأطرافهما و ينثران في الجنة" و هما مقبرتا مكة و المدينة . و عن ابن مسعود : وقف رسول الله صلي الله تعالي عليه و علي آله و سلم علي ثنية الحجون و ليس بها يومئذ مقبرة ، فقال "يبعث الله من هذه البقعة و من هذا الحرم كله سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر ، يدخلون الجنة بغير حساب ، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر" و عن النبي صلي الله عليه و سلم "من صبر علي حر مكة ساعة من نهار ، تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام " (من استطاع ) بدل من الناس . وروي أن رسول الله صلي الله عليه و سلم فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة ، و كذا عن ابن عباس و ابن عمرو عليه أكثر العلماء . و عن ابن الزبير : هو علي قدر القوة . و مذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه . و عنه : ذلك علي قدر الطاقة ، و قد يجد الزاد و الراحلة من لايقدر علي السفر ، و قد يقدر عليه من لازاد له و لا راحلة ، و عن الضحاك : إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع . و قيل له في ذلك فقال : إن كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه ؟ بل كان ينطلق إليه ولو حبوا فكذلك يجب عليه الحج . و الضمير في (إليه ) للبيت أو للحج . و كل مأتي إلي الشي ء فهو سبيل إليه و في هذا الكلام أنواع من التوكيد و التشديد ، و منها قوله (ولله علي الناس حج البيت ) يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لاينفكون عن أدائه و الخروج من عهدته . و منها أنه ذكر الناس ثم أبدل عنه من استطاع إليه سبيلا ، و فيه ضربان من التأكيد : أحدهما أن الإبدال تثنية للمراد و تكرير له ، و الثاني أن الإيضاح بعد الإبهام و التفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين . و منها قوله (و من كفر) مكان و من لم يحج تغليظا علي تارك الحج ، و لذلك قال رسول الله صلي الله عليه و سلم : "من مات و لم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا" و نحوه من التغليظ "من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر" و منها ذكر الاستغناء عنه و ذلك مما يدل علي المقت و السخط و الخذلان ، و منها قوله (عن العالمين ) و إن لم يقل عنه ، و ما فيه من الدلالة علي الاستغناء عنه ببرهان ، لأنه اذا استغني عن العالمين تناوله الاستغناء لامحالة ، و لأنه يدل علي الاستغناء الكامل فكان أدل علي عظم السخط الذي وقع عبارة عنه . و عن سعيد بن المسيب نزلت في اليهود ، فإنهم قالوا : الحج إلي مكة غير واجب وروي أنه لما نزل قوله تعالي (ولله علي الناس حج البيت ) جمع رسول الله صلي الله عليه و سلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال :" إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فَمنت به ملة واحدة و هم المسلمون و كفرت به خمس ملل قالوا : لانؤمن به و لا نصلي إليه و لا نحجه ، فنزل (و من كفر) و عن النبي صلي الله عليه و سلم "حجوا قبل أن لا تحجوا ، فإنه قد هدم البيت مرتين و يرفع في الثالثة" وروي "حجوا قبل أن لاتحجوا ، حجوا قبل أن يمنع البرجانبه " و عن ابن مسعود : حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لاتأكل منها دابة إلا نفقت . و عن عمر رضي الله عنه : لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا . و قرئ حج البيت بالكسر .
قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لِمَ تَکْفُرُونَ بِآیَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِیدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ
98 - (و الله شهيد) الواو للحال . و المعني : لم تكفرون بَيات الله التي دلتكم علي صدق محمد صلي الله عليه و سلم و الحال أن الله شهيد علي أعمالكم فمجازيكم عليها ، و هذه الحال توجب أن لاتجسروا علي الكفر بَياته .
قُلْ یَا أَهْلَ الْکِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِیلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
99 - قرأ الحسن : تصدون ، من أصده (عن سبيل الله ) عن دين حق علم أنه سبيل الله التي أمر بسلوكها وهو الإسلام ، و كانوا يفتنون المؤمنين و يحتالون لصدهم عنه ، و يمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم . و قيل : أتت اليهود الأوس و الخزرج فذكروهم ما كان بينهم في الجاهلية من العداوات و الحروب ليعودوا لمثله ( تبغونها عوجا) تطلبون لها إعوجاجا و ميلا عن القصد و الاستقامة . فإن قلت : كيف تبغونها عوجا وهو محال ؟ قلت فيه معنيان : أحدهما أنكم تلبسون علي الناس حتي توهموهم أن فيها عوجا بقولكم : إن شريعة موسي لاتنسخ ، و بتغييركم صفة رسول الله صلي الله عليه و سلم عن وجهها و نحو ذلك . و الثاني : أنكم تتبعون أنفسكم في إخفاء الحق و ابتغاء ما لايتأتي لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم (و أنتم شهداء) أنها سبيل الله لايصد عنها إلاضال مضل ، أو و أنتم شهداء بين أهل دينكم ، عدول يثقون بأقوالكم و يستشهدونكم في عظائم أمورهم ، و هم الأحبار (و ما الله بغافل ) و عيد ، و محل تبغونها نصب علي الحال .
یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِن تُطِیعُوا فَرِیقًا مِّنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ یَرُدُّوکُم بَعْدَ إِیمَانِکُمْ کَافِرِینَ
100 - قيل مر شاس بن قيس اليهودي و كان عظيم الكفر شديد الطعن علي المسلمين شديد الحسد لهم علي نفر من الأنصار من الأوس و الخزرج في مجلس لهم يتحدثون ، فغاظه ذلك حيث تألفوا واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة و قال : مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار ، فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم و يذكرهم يوم بعاث و ينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار ، و كان يوما اقتتلت فيه الأوس و الخزرج و كان الظفر فيه للأوس . ففعل فتنازع القوم عند ذلك و تفاخروا و تغاضبوا و قالوا : السلاح السلاح ، فبلغ النبي صلي الله عليه و سلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين و الأنصار فقال : أتدعون الجاهلية و أنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام و قطع به عنكم أمر الجاهلية و ألف بينكم . فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان و كيد من عدوهم ، فألقوا السلاح و بكوا و عانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلي الله عليه و سلم ، فما كان يوم أقبح أولا و أحسن آخرا من ذلك اليوم .

صفحه : 62
بزرگتر  کوچکتر  بدون ترجمه  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
قرآن  عثمان طه با کیفیت بالا صفحه 62
تصویر  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 

92 - (لن تنالوا البر) لن تبلغوا حقيقة البر ، و لن تكونوا أبرارا . و قيل : لن تنالوا بر الله وهو ثوابه (حتي تنفقوا مما تحبون ) حتي تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها و تؤثرونها كقوله (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ) و كان السلف رحمهم الله إذا أحبوا شيئا جعلوه لله . وروي أنها لما نزلت جاء أبو طلحة فقال : يارسول الله : إن أحب أموالي إلي بير حا فضعها يا رسول الله حيث أراك الله . فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم "بخ بخ ذاك مال رابح أو مال رائح و إني أري أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة : افعل يا رسول الله فقسمها في أقاربه . و جاء زيد ابن حارثة بفرس له كان يحبها فقال : هذه في سبيل الله ، فحمل عليها رسول الله صلي الله عليه و سلم أسامة بن زيد ، فكأن زيدا وجد في نفسه و قال : إنما أردت أن أتصدق به . فقال رسول الله صلي الله عليه و سلم : أما إن الله تعالي قد قبلها منك . و كتب عمر رضي الله عنه إلي أبي موسي الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسري ، فلما جاءت أعجبته فقال : إن الله تعالي يقول (لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون ) فأعتقها . و نزل بأبي ذر ضيف فقال للراعي ائتني بخير إبلي فجاء بناقة مهزولة . فقال : خنتني ، قال : وجدت خير الإبل فحلها ، فذكرت يوم حاجتكم إليه فقال : إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي . و قرأ عبد الله : حتي تنفقوا بعض ماتحبون . و هذا دليل علي أن " من " في (مما تحبون ) للتبعيض . و نحوه : أخذت من المال . و من في (من شي ء) لتبيين ماتنفقوا ، أي من أي شي ء كان طيبا تحبونه أو خبيثا تكرهونه (فإن الله ) عليم بكل شي ء تنفقونه فمجازيكم بحسبه .

93 - (كل الطعام ) كل المطعومات أو كل أنواع الطعام . و الحل مصدر . يقال : حل الشي ء حلا كقولك : ذلت الدابة ذلا ، و عز الرجل عزا ، و في حديث عائشة رضي الله عنها : كنت أطيبه لحله و حرمه و لذلك استوي في الوصف به المذكر و المؤنث و الواحد و الجمع . قال الله تعالي : لاهن حل لهم . و الذي حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام علي نفسه لحوم الإبل و ألبانها و قيل العروق . كان به عرق النسا ، فنذر إن شفي أن يحرم علي نفسه أحب الطعام إليه ، و كان ذلك أحبه إليه فحرمه . و قيل : أشارت عليه الأطباء باجتنابه ، ففعل ذلك بإذن من الله ، فهو كتحريم الله ابتداء و المعني أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة و تحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم و بغيهم لم يحرم منها شي ء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل علي نفسه فتبعوه علي تحريمه ، وهو رد علي اليهود و تكذيب لهم ، حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعي عليهم في قوله تعالي (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) إلي قوله تعالي (عذابا أليما) و في قوله (و علي الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر و من البقر و الغنم حرمنا عليهم شحومهما) إلي قوله (ذلك جزيناهم ببغيهم ) و جحود ماغاظهم و اشمأزوا منه وامتعضوا مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم و ظلمهم ، فقالوا : لسنا بأول من حرمت عليه ، و ما هو إلا تحريم قديم ، كانت محرمة علي نوح و علي إبراهيم و من بعده من بني إسرائيل و هلم جرا ، إلي أن انتهي التحريم إلينا ، فحرمت علينا كما حرمت علي من قبلنا . و غرضهم تكذيب شهادة الله عليهم بالبغي و الظلم و الصد عن سبيل الله و أكل الربا و أخذ أموال الناس بالباطل ، و ما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) أمر بأن يحاجهم بكتابهم ويبكتهم مما هو ناطق به من أن تحريم ما حرم عليهم تحريم حادث بسبب ظلمهم و بغيهم ، لاتحريم قديم كما يدعونه ، فروي أنهم لم يجسروا علي إخراج التوراة و بهتوا وانقلبوا صاغرين ، و في ذلك الحجة البينة علي صدق النبي صلي الله عليه و سلم ، و علي جواز النسخ الذي ينكرونه

94 - (فمن افتري علي الله الكذب ) بزعمه أن ذلك كان محرما علي بني إسرائيل قبل إنزال التوراة من بعد مالزمهم من الحجة القاطعة (فأولئك هم الظالمون ) المكابرون الذين لاينصفون من أنفسهم و لا يلتفتون إلي البينات .

95 - (قل صدق الله ) تعريض بكذبهم كقوله (ذلك جزيناهم ببغيهم و إنا لصادقون ) أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل و أنتم الكاذبون (فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا) و هي ملة الإسلام التي عليها محمد و من آمن معه ، حتي تتخلصوا من اليهودية التي و رطتكم في فساد دينكم و دنياكم ، حيث اضطرتكم إلي تحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم ، و ألزمتكم تحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم و لمن تبعه .

96 - (وضع للناس ) صفة لبيت ، و الواضع هو الله عز و جل ، تدل عليه قراءة من قرأ (وضع للناس ) بتسمية الفاعل و هو الله . و معني وضع الله بيتا للناس ، أنه جعله متعبدا لهم ، فكأنه قال : إن أول متعبد للناس الكعبة . و عن رسول الله صلي الله عليه و سلم أنه سئل عن أول مسجد وضع للناس فقال : "المسجد الحرام ثم بيت المقدس " و سئل كم بينهما ؟ قال : "أربعون سنة" . و عن علي رضي الله عنه أن رجلا قال له : أهو أول بيت ؟ قال : لا ، قد كان قبله بيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدي و الرحمة و البركة . و أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته العمالقة ثم هدم فبناه قريش . و عن ابن عباس : هو أول بيت حج بعد الطوفان . و قيل : هو أول بيت ظهر علي وجه الماء عند خلق السماء و الأرض ، خلقه قبل الأرض بألفي عام ، و كان زبدة بيضاء علي الماء فدحيت الأرض تحته . و قيل : هو أول بيت بناه آدم في الأرض . و قيل : لما أهبط آدم قالت له الملائكة : طف حول هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام ، و كان في موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح ، فرفع في الطوفان إلي السماء الرابعة تطوف به ملائكة السموات (للذي ببكة) البيت الذي ببكة ، و هي علم للبلد الحرام ، و مكة و بكة لغتان فيه ، نحو قولهم : النبيط و النميط ، في اسم موضع بالدهناء . و نحوه من الاعتقاب : أمر راتب وراتم . و حمي مغمطة و مغبطة . و قيل : مكة البلد ، و بكة : موضع المسجد . و قيل : اشتقاقها من "بكه " إذا زحمه لازدحام الناس فيها . و عن قتادة : يبك الناس بعضهم بعضا الرجال و النساء ، يصلي بعضهم بين يدي بعض ، لايصلح ذلك إلا بمكة كأنها سميت ببكة و هي الزحمة . قال : إذا الشريب أخذته الاكه فخله حتي يبك بكه و قيل : تبك أعناق الجبابرة أي تدقها . لم يقصدها جبار إلا قصمه الله تعالي ( مباركا) كثيرالخير لما يحصل لمن حجه و اعتمره و عكف عنده و طاف حوله من الثواب و تكفير الذنوب ، و انتصابه علي الحال من المستكن في الظرف ، لأن التقدير للذي ببكة هو ، و العامل فيه المقدر في الظرف من فعل الاستقرار (و هدي للعالمين ) لأنه قبلتهم و متعبدهم

97 - (مقام إبراهيم ) عطف بيان لقوله (آيات بينات ) . فإن قلت : كيف صح بيان الجماعة بالواحد ؟ قلت : فيه و جهان : أحدهما أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته علي قدرة الله و نبوة إبراهيم من تأثير قدمه في حجر صلد ، كقوله تعالي (إن إبراهيم كان أمة) و الثاني : اشتماله علي آيات لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، و غوصه فيها إلي الكعبين آية ، و إلانة بعض الصخر دون بعض آية ، و إبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة ، و حفظه مع كثرة أعدائه من المشركين و أهل الكتاب و الملاحدة ألوف سنة آية . و يجوز أن يراد : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، و أمن من دخله ، لأن الاثنين نوع من الجمع كالثلاثة و الأربعة . و يجوز أن تذكر هاتان الَيتان و يطوي ذكر غيرهما ، دلالة علي تكاثر الَيات ، كأنه قيل : فيه آيات بينات مقام إبراهيم ، و أمن من دخله ، و كثير سواهما . و نحوه في طي الذكر قول جرير : كانت حنيفة أثلاثا فثلثهمو من العبيد و ثلث من مواليها و منه قوله عليه السلام "حبب إلي من دنياكم ثلاث : الطيب ، و النساء ، و قرة عيني في الصلاة و قرأ ابن عباس و أبي و مجاهد و أبو جعفر المدني في رواية قتيبة : آية بينة ، علي التوحيد . و فيها دليل علي أن مقام إبراهيم واقع وحده عطف بيان . فإن قلت : كيف أجزت أن يكون مقام إبراهيم و الأمن عطف بيان للَيات ؟ و قوله (و من دخله كان آمنا) جملة مستأنفة إما ابتدائية و إما شرطية ؟ قلت : أجزت ذلك من حيث المعني ، لأن قوله (و من دخله كان آمنا) دل علي أمن داخله ، فكأنه قيل : فيه آيات بينات : مقام إبراهيم ، و أمن داخله . ألاتري أنك لو قلت : فيه آية بينة ، من دخله كان آمنا صح ، لأنه في معني قولك : فيه آية بينة ، أمن من دخله . فإن قلت : كيف كان سبب هذا الأثر ؟ قلت : فيه قولان : أحدهما أنه لما ارتفع بنيان الكعبة و ضعف إبراهيم عن رفع الحجارة قام علي هذا الحجر فغاصت فيه قدماه . و قيل : إنه جاء زائرا من الشام إلي مكة فقالت له امرأة إسمعيل : انزل حتي يغسل رأسك ، فلم ينزل ، فجاءته بهذا الحجر فوضعته علي شقه الأيمن ، فوضع قدمه عليه حتي غسلت شق رأسه ، ثم حولته إلي شقه الأيسر حتي غسلت الشق الَخر ، فبقي أثر قدميه عليه . و معني (و من دخله كان آمنا) معني قوله (أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا و يتخطف الناس من حولهم ) و ذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام (رب اجعل هذا البلد آمنا) و كان الرجل لو جر كل جريرة لجأ إلي الحرم لم يطلب . و عن عمر رضي الله عنه "لو ظفرت فيه بقاتل الخطاب ما مسسته حتي يخرج منه " و عند أبي حنيفة : من لزمه القتل في الحل بقصاص أوردة أو زني فالتجأ إلي الحرم لم يتعرض له ، إلا أنه لايؤوي و لايطعم و لايسقي و لايبايع حتي يضطر إلي الخروج . و قيل : آمنا من النار . و عن النبي صلي الله عليه و سلم "من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا" و عنه عليه الصلاة و السلام "الحجون و البقيع يؤخذ بأطرافهما و ينثران في الجنة" و هما مقبرتا مكة و المدينة . و عن ابن مسعود : وقف رسول الله صلي الله تعالي عليه و علي آله و سلم علي ثنية الحجون و ليس بها يومئذ مقبرة ، فقال "يبعث الله من هذه البقعة و من هذا الحرم كله سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر ، يدخلون الجنة بغير حساب ، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا وجوههم كالقمر ليلة البدر" و عن النبي صلي الله عليه و سلم "من صبر علي حر مكة ساعة من نهار ، تباعدت منه جهنم مسيرة مائتي عام " (من استطاع ) بدل من الناس . وروي أن رسول الله صلي الله عليه و سلم فسر الاستطاعة بالزاد و الراحلة ، و كذا عن ابن عباس و ابن عمرو عليه أكثر العلماء . و عن ابن الزبير : هو علي قدر القوة . و مذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه . و عنه : ذلك علي قدر الطاقة ، و قد يجد الزاد و الراحلة من لايقدر علي السفر ، و قد يقدر عليه من لازاد له و لا راحلة ، و عن الضحاك : إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع . و قيل له في ذلك فقال : إن كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه ؟ بل كان ينطلق إليه ولو حبوا فكذلك يجب عليه الحج . و الضمير في (إليه ) للبيت أو للحج . و كل مأتي إلي الشي ء فهو سبيل إليه و في هذا الكلام أنواع من التوكيد و التشديد ، و منها قوله (ولله علي الناس حج البيت ) يعني أنه حق واجب لله في رقاب الناس لاينفكون عن أدائه و الخروج من عهدته . و منها أنه ذكر الناس ثم أبدل عنه من استطاع إليه سبيلا ، و فيه ضربان من التأكيد : أحدهما أن الإبدال تثنية للمراد و تكرير له ، و الثاني أن الإيضاح بعد الإبهام و التفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين . و منها قوله (و من كفر) مكان و من لم يحج تغليظا علي تارك الحج ، و لذلك قال رسول الله صلي الله عليه و سلم : "من مات و لم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا" و نحوه من التغليظ "من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر" و منها ذكر الاستغناء عنه و ذلك مما يدل علي المقت و السخط و الخذلان ، و منها قوله (عن العالمين ) و إن لم يقل عنه ، و ما فيه من الدلالة علي الاستغناء عنه ببرهان ، لأنه اذا استغني عن العالمين تناوله الاستغناء لامحالة ، و لأنه يدل علي الاستغناء الكامل فكان أدل علي عظم السخط الذي وقع عبارة عنه . و عن سعيد بن المسيب نزلت في اليهود ، فإنهم قالوا : الحج إلي مكة غير واجب وروي أنه لما نزل قوله تعالي (ولله علي الناس حج البيت ) جمع رسول الله صلي الله عليه و سلم أهل الأديان كلهم فخطبهم فقال :" إن الله كتب عليكم الحج فحجوا" فَمنت به ملة واحدة و هم المسلمون و كفرت به خمس ملل قالوا : لانؤمن به و لا نصلي إليه و لا نحجه ، فنزل (و من كفر) و عن النبي صلي الله عليه و سلم "حجوا قبل أن لا تحجوا ، فإنه قد هدم البيت مرتين و يرفع في الثالثة" وروي "حجوا قبل أن لاتحجوا ، حجوا قبل أن يمنع البرجانبه " و عن ابن مسعود : حجوا هذا البيت قبل أن تنبت في البادية شجرة لاتأكل منها دابة إلا نفقت . و عن عمر رضي الله عنه : لو ترك الناس الحج عاما واحدا ما نوظروا . و قرئ حج البيت بالكسر .

98 - (و الله شهيد) الواو للحال . و المعني : لم تكفرون بَيات الله التي دلتكم علي صدق محمد صلي الله عليه و سلم و الحال أن الله شهيد علي أعمالكم فمجازيكم عليها ، و هذه الحال توجب أن لاتجسروا علي الكفر بَياته .

99 - قرأ الحسن : تصدون ، من أصده (عن سبيل الله ) عن دين حق علم أنه سبيل الله التي أمر بسلوكها وهو الإسلام ، و كانوا يفتنون المؤمنين و يحتالون لصدهم عنه ، و يمنعون من أراد الدخول فيه بجهدهم . و قيل : أتت اليهود الأوس و الخزرج فذكروهم ما كان بينهم في الجاهلية من العداوات و الحروب ليعودوا لمثله ( تبغونها عوجا) تطلبون لها إعوجاجا و ميلا عن القصد و الاستقامة . فإن قلت : كيف تبغونها عوجا وهو محال ؟ قلت فيه معنيان : أحدهما أنكم تلبسون علي الناس حتي توهموهم أن فيها عوجا بقولكم : إن شريعة موسي لاتنسخ ، و بتغييركم صفة رسول الله صلي الله عليه و سلم عن وجهها و نحو ذلك . و الثاني : أنكم تتبعون أنفسكم في إخفاء الحق و ابتغاء ما لايتأتي لكم من وجود العوج فيما هو أقوم من كل مستقيم (و أنتم شهداء) أنها سبيل الله لايصد عنها إلاضال مضل ، أو و أنتم شهداء بين أهل دينكم ، عدول يثقون بأقوالكم و يستشهدونكم في عظائم أمورهم ، و هم الأحبار (و ما الله بغافل ) و عيد ، و محل تبغونها نصب علي الحال .

100 - قيل مر شاس بن قيس اليهودي و كان عظيم الكفر شديد الطعن علي المسلمين شديد الحسد لهم علي نفر من الأنصار من الأوس و الخزرج في مجلس لهم يتحدثون ، فغاظه ذلك حيث تألفوا واجتمعوا بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة و قال : مالنا معهم إذا اجتمعوا من قرار ، فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم و يذكرهم يوم بعاث و ينشدهم بعض ما قيل فيه من الأشعار ، و كان يوما اقتتلت فيه الأوس و الخزرج و كان الظفر فيه للأوس . ففعل فتنازع القوم عند ذلك و تفاخروا و تغاضبوا و قالوا : السلاح السلاح ، فبلغ النبي صلي الله عليه و سلم ، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين و الأنصار فقال : أتدعون الجاهلية و أنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام و قطع به عنكم أمر الجاهلية و ألف بينكم . فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان و كيد من عدوهم ، فألقوا السلاح و بكوا و عانق بعضهم بعضا ، ثم انصرفوا مع رسول الله صلي الله عليه و سلم ، فما كان يوم أقبح أولا و أحسن آخرا من ذلك اليوم .

مشخصات :
قرآن تبيان- جزء 4 - حزب 7 - سوره آل عمران - صفحه 62
قرائت ترتیل سعد الغامدی-آيه اي-باکیفیت(MP3)
بصورت فونتی ، رسم الخط quran-simple-enhanced ، فونت قرآن طه
با اندازه فونت 25px
بصورت تصویری ، قرآن عثمان طه با کیفیت بالا

مشخصات ترجمه یا تفسیر :
تفسیر کشاف

انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
خدمات تلفن همراه
مراجعه: 93,598,336