قرآن تبيان- جزء 10 - حزب 19 - سوره انفال - صفحه 182


وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَیْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَى وَالْیَتَامَى وَالْمَسَاکِینِ وَابْنِ السَّبِیلِ إِن کُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا یَوْمَ الْفُرْقَانِ یَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ
41 - (أنما غنمتم ) ما موصولة . و(من شي ء) بيانه . قيل : من شي ء حتي الخيط والمخيط ، (فأن لله ) مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : فحق ، أو فواجب أن لله خمسه . وروي الجعفي عن أبي عمرو ، فإن لله بالكسر . وتقويه قراءة النخعي : فلله خمسه . والمشهورة آكد وأثبت للايجاب ، كأنه قيل : فلابد من ثبات الخمس فيه ، لاسبيل إلي الاخلال به والتفريط فيه . من حيث إنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات ، كقولك : ثابت واجب حق لازم ، وما أشبه ذلك ، كان أقوي لايجابه من النص علي واحد ، وقري : خمسه بالسكون فإن قلت : كيف قسمة الخمس ؟ قلت : عند أبي حنيفة رحمه الله أنها كانت في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي خمسة أسهم : سهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، وسهم لذوي قرباء من بني هاشم و بني المطلب ، دون بني عبد شمس وبني نوفل ، استحقوه حينئذ بالنصرة والمظاهرة ، لما روي عن عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما ، أنهما قالا لرسول الله صلي الله عليه وسلم : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لاننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم ، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم و حرمتنا ، وإنما نحن و هم بمنزلة واحدة : فقال صلي الله عليه وسلم : إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، إنما بنوهاشم وبنوالمطلب شي ء واحد ، وشبك بين أصابعه وثلاثة أسهم : لليتامي والمساكين ، وابن السبيل . وأما بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم فسهمه ساقط بموته ، وكذلك سهم ذوي القربي ، وإنما يعطون لفقرهم ، فهم أسوة سائر الفقراء ، ولايعطي أغنياؤهم فيقسم علي اليتامي والمساكين وابن السبيل . وأما عند الشافعي رحمه الله فيقسم علي خمسة أسهم : سهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم يصرف إلي ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين : كعدة الغزاة من السلاح والكراع ونحو ذلك . وسهم لذوي القربي من أغنيائهم وفقرائهم ، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الانثيين . والباقي للفرق الثلاث . وعند مالك ابن أنس رحمه الله : الامر فيه مفوض إلي الاجتهاد الامام إن رأي قسمه بين هؤلاء ، وإن رأي أعطاه بعضهم دون بعض ، وإن رأي غيرهم أولي وأهم فغيرهم . فإن قلت : ما معني ذكر الله عز وجل وعطف الرسول وغيره عليه قلت : يحتمل أن يكون معني لله وللرسول ، لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، كقوله (والله ورسوله أحق أن يرضوه ) وأن يراد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلي وجه من وجوه القرب . وأن يراد بقوله (فأن لله خمسه ) أن من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه لاغير . ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة . تفضيلا لها علي غيرها . كقوله تعالي (و جبريل وميكال ) فعلي الاحتمال الاول مذهب الامامين . وعلي الثاني ما قال أبو العالية : أنه يقسم علي ستة أسهم : سهم لله تعالي يصرف إلي رتاج الكعبة . وعنه : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم الله تعالي ، ثم يقسم ما بقي علي خمسة . وقيل : إن سهم الله تعالي لبيت المال ، وعلي الثالث مذهب مالك بن أنس . وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان علي ستة أسهم لله وللرسول سهمان ، وسهم لاقاربه حتي قبض ، فأجري أبوبكر رضي الله عنه الخمس علي ثلاثة . وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء . وروي أن أبابكر رضي الله عنه منع بني هاشم الخمس وقال : إنما لكم أن يعطي فقيركم ويزوج أيمكم ويخدم من لاخادم له منكم ، فأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غني لايعطي من الصدقة شيئا ، ولايتيم موسر : وعن زيد بن علي رضي الله عنه : كذلك قال ، ليس لنا أن ننبي منه قصورا ، ولا أن نركب منه البراذين . وقيل : الخمس كله للقرابة . وعن علي رضي الله عنه أنه قيل له : إن الله تعالي قال (واليتامي و المساكين ) فقال : أيتامنا ومساكيننا . وعن الحسن رضي الله عنه في سهم رسول الله صلي الله عليه وسلم : أنه لولي الامر من بعده . وعن الكلبي رضي الله عنه أن الاية نزلت ببدر . وقال الواقدي : كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال ، علي رأس عشرين شهرا من الهجرة . فإن قلت : بم تعلق قوله (إن كنتم آمنتم بالله ) ؟ قلت : بمحذوف يدل عليه (واعلموا) المعني : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به ، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالاخماس الاربعة ، وليس المراد بالعلم المجرد ، ولكنه العلم المضمن بالعمل ، والطاعة لامر الله تعالي ، لان العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر ( وما أنزلنا) معطوف علي (بالله ) أي إن كنتم آمنتم بالله و بالمنزل (علي عبدنا) وقري ء عبدنا كقوله (وعبد الطاغوت ) بضمتين (يوم الفرقان ) يوم بدر . و (الجمعان ) الفريقان من المسلمين والكافرين . والمراد ما أنزل عليه من الايات والملائكة و الفتح يومئذ (والله علي كل شي ء قدير) يقدر علي أن ينصر القليل علي الكثير والذليل علي العزيز ، كما فعل بكم ذلك اليوم .
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْیَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّکْبُ أَسْفَلَ مِنکُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِی الْمِیعَادِ وَلَکِن لِّیَقْضِیَ اللَّهُ أَمْرًا کَانَ مَفْعُولًا لِّیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَن بَیِّنَةٍ وَیَحْیَى مَنْ حَیَّ عَن بَیِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ
42 - (إذ) بدل من يوم الفرقان . والعدوة : شط الوادي بالكسر والضم والفتح . وقري ء بهن وبالعدية ، علي قلب الواوياء ، لان بينها وبين الكسرة حاجزا غير حصين كما في الصبية . والدنيا والقصوي : تأنيث الادني والاقصي . فإن قلت : كلتاهما " فعلي " من بنات الواو ، فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو ؟ قلت : القياس هو قلب الواو ياء كالعليا وأما القصوي فكالقود في مجيئه علي الاصل . وقد جاء القصيا ، إلا أن استعمال القصوي أكثر ، كما كثر استعمال "استصوب " مع مجي ء " استصاب " و "أغيلت " مع "أغالت " والعدوة الدنيا ممايلي المدينة ، والقصوي ممايلي مكة (والركب أسفل منكم ) يعني الركب الاربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل . وأسفل : نصب علي الظرف ، معناه : مكانا أسفل من مكانكم ، وهو مرفوع المحل : لانه خبر للمبتدإ . فإن قلت : ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين "وأن العير كانت أسفل منهم ؟ قلت : الفائدة فيه الاخبار عن الحال الدالة علي قوة شأن العدو وشوكته ، وتكامل عدته ، وتمهد أسباب الغلبة له ، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من الله سبحانه ، ودليلا علي أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوته وباهر قدرته ، وذلك أن العدوة القصوي التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضا لاباس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الارجل ، ولايمشي فيها إلا بتعب ومشقة . وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم ، فكانت الحماية دونها ، تضاعف حميتهم وتشحذ في المقاتلة عنها نباتهم . ولهذا كانت العرب تخرج إلي الحرب بظعنهم وأموالهم ، ليبعثهم الذب عن الحريم والغيرة علي الحرم علي بذل جهيداهم في القتال ، وأن لايتركوا وراءهم مايحدثون أنفسهم بالانحياز إليه . فيجمع ذلك قلوبهم ويضبط هممهم ويوطن نفوسهم علي أن لايبرحوا مواطنهم و لايخلوا مراكزهم ، ويبذلوا منتهي نجدتهم وقصاري شدتهم . وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر ، ليقضي أمرا كان مفعولا من إعزاز دينه وإعلاء كلمته حين وعد المسلمين إحدي الطائفتين مبهمة غير مبينة ، حتي خرجوا ليأخذوا الغير راغبين في الخروج ، وشخص بقريش مرعوبين مما بلغهم من تعرض رسول الله صلي الله عليه وسلم لاموالهم ، حتي نفروا ليمنعوا عيرهم ، وسبب الاسباب حتي أناخ هؤلاء بالعدوة الدنيا وهؤلاء بالعدوة القصوي و وراءهم العير يحامون عليها ، حتي قامت الحرب علي ساق وكان ما كان (ولو تواعدتم ) أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم علي موعد تلتقون فيه للقتال ، لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد ، وثبطهم مافي قلوبهم من تهيب رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين ، فلم يتفق لكم من التلاقي في ما وقفه الله وسبب له (ليقضي ) متعلق بمحذوف ، أي ليقضي أمرا كان واجبا أن يفعل ، و هو نصر أوليائه و قهر أعدائه دبر ذلك . وقوله (ليهلك ) بدل منه . واستعير الهلاك و الحياة للكفر والاسلام ، أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة ، لا عن مخالجة شبهة ، حي لاتبقي له علي الله حجة ، ويصدر إسلام من أسلم أيضا عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به وذلك أن ما كان من وقعة بدر من الايات الغر المحجلة التي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه مغالطا لها . وقري ء : ليهلك ، بفتح اللام . و حيي ، بإظهار التضعيف (لسميع عليم ) يعلم كيف يدبر أموركم ويسوي مصالحكم . أو لسميع عليم بكفر من كفر وعقابه ، وبإيمان من آمن وثوابه .
إِذْ یُرِیکَهُمُ اللَّهُ فِی مَنَامِکَ قَلِیلًا وَلَوْ أَرَاکَهُمْ کَثِیرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِی الْأَمْرِ وَلَکِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
43 - (إذ يريكهم الله ) نصبه بإضمار اذكر . أو هو بدل ثان من يوم الفرقان ، أو متعلق بقوله (لسميع عليم ) أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك (في منامك ) في رؤياك . و ذلك أن الله عز وجل أراه إياهم في رؤياه قليلا ، فأخبر بذلك أصحابه فكان تثبيتا لهم و تشجيعا علي عدوهم . و عن الحسن : في منامك في عينك ، لانها مكان النوم ، كما قيل للقطيفة : المنامة ، لانه ينام فيها . وهذا تفسير فيه تعسف ، و ما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن ، و ما يلائم عليه بكلام العرب و فصاحته (ل فشلتم ) لجبنتم و هبتم الاقدام (ولتنازعتم ) في الرأي ، وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم ، وترجحتم بين الثبات والفرار (ولكن الله سلم ) أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل و التنازع و الاختلاف (إنه عليم بذات الصدور) يعلم ما سيكون فيها من الجراء ة و الجبن و الصبر والجزع .
وَإِذْ یُرِیکُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَیْتُمْ فِی أَعْیُنِکُمْ قَلِیلًا وَیُقَلِّلُکُمْ فِی أَعْیُنِهِمْ لِیَقْضِیَ اللَّهُ أَمْرًا کَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
44 - (و إذ يريكموهم ) الضميران مفعولان و يعني : وإذ يبصركم إياهم . و(قليلا) نصب علي الحال ، و إنما قللهم في أعينهم تصديقا لرؤية رسول الله صلي الله عليه و سلم ، وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم و يجدوا و يثبتوا . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قللوا في أعيننا حتي قلت لرجل إلي جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم ؟ قال . ألفا (ويقللكم في أعينهم ) حتي قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور . فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر ، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم ؟ قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيها بعده ليجترؤا عليهم ، قلة مبالاة بهم ، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا ، و تفل شوكتهم حين يرون مالم يكن في حسابهم وتقديرهم ، وذلك قوله (يرونهم مثليهم رأي العين ) ولئلا يستعدوا لهم ، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الاية البينة من قلتهم أولا وكثرتهم آخرا . فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلا ؟ قلت بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير ، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين . قيل لبعضهم : إن الاحول يري الواحد اثنين ، وكان بين يديه ديك واحد فقال : ما لي لا أري هذين الديكين أربعة ؟
یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا لَقِیتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْکُرُوا اللَّهَ کَثِیرًا لَّعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ
45 - (وإذا لقيتم فئة) إذا حاربتم جماعة من الكفار ، وترك أن يصفها لان المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار . واللقاء اسم للقتال غالب (فاثبتوا) لقتالهم و لا تفروا (واذكروا الله كثيرا) في مواطن الحرب مستظهرين بذكره ، مستنصرين به ، داعين له علي عدوكم : اللهم اخذلهم ، اللهم اقطع دابرهم (لعلكم تفلحون ) لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة و المثوبة . و فيه إشعار بأن علي العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلبا و أكثر ما يكون هما ، و أن تكون نفسه مجتمعة لذلك و إن كانت متوزعة عن غيره . وناهيك بما في خطب أمير المؤمنين عليه السلام في أيام صفين و في مشاهده مع البغاة و الخوارج من البلاغة و البيان و لطائف المعاني و بليغات المواعظ و النصائح دليلا علي أنهم كانوا لايشغلهم عن ذكر الله شاغل و إن تفاقم الامر

صفحه : 182
بزرگتر  کوچکتر  بدون ترجمه  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
قرآن  عثمان طه با کیفیت بالا صفحه 182
تصویر  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 

41 - (أنما غنمتم ) ما موصولة . و(من شي ء) بيانه . قيل : من شي ء حتي الخيط والمخيط ، (فأن لله ) مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : فحق ، أو فواجب أن لله خمسه . وروي الجعفي عن أبي عمرو ، فإن لله بالكسر . وتقويه قراءة النخعي : فلله خمسه . والمشهورة آكد وأثبت للايجاب ، كأنه قيل : فلابد من ثبات الخمس فيه ، لاسبيل إلي الاخلال به والتفريط فيه . من حيث إنه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدرات ، كقولك : ثابت واجب حق لازم ، وما أشبه ذلك ، كان أقوي لايجابه من النص علي واحد ، وقري : خمسه بالسكون فإن قلت : كيف قسمة الخمس ؟ قلت : عند أبي حنيفة رحمه الله أنها كانت في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي خمسة أسهم : سهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، وسهم لذوي قرباء من بني هاشم و بني المطلب ، دون بني عبد شمس وبني نوفل ، استحقوه حينئذ بالنصرة والمظاهرة ، لما روي عن عثمان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما ، أنهما قالا لرسول الله صلي الله عليه وسلم : هؤلاء إخوتك بنو هاشم لاننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله منهم ، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم و حرمتنا ، وإنما نحن و هم بمنزلة واحدة : فقال صلي الله عليه وسلم : إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، إنما بنوهاشم وبنوالمطلب شي ء واحد ، وشبك بين أصابعه وثلاثة أسهم : لليتامي والمساكين ، وابن السبيل . وأما بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم فسهمه ساقط بموته ، وكذلك سهم ذوي القربي ، وإنما يعطون لفقرهم ، فهم أسوة سائر الفقراء ، ولايعطي أغنياؤهم فيقسم علي اليتامي والمساكين وابن السبيل . وأما عند الشافعي رحمه الله فيقسم علي خمسة أسهم : سهم لرسول الله صلي الله عليه وسلم يصرف إلي ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين : كعدة الغزاة من السلاح والكراع ونحو ذلك . وسهم لذوي القربي من أغنيائهم وفقرائهم ، يقسم بينهم للذكر مثل حظ الانثيين . والباقي للفرق الثلاث . وعند مالك ابن أنس رحمه الله : الامر فيه مفوض إلي الاجتهاد الامام إن رأي قسمه بين هؤلاء ، وإن رأي أعطاه بعضهم دون بعض ، وإن رأي غيرهم أولي وأهم فغيرهم . فإن قلت : ما معني ذكر الله عز وجل وعطف الرسول وغيره عليه قلت : يحتمل أن يكون معني لله وللرسول ، لرسول الله صلي الله عليه وسلم ، كقوله (والله ورسوله أحق أن يرضوه ) وأن يراد بذكره إيجاب سهم سادس يصرف إلي وجه من وجوه القرب . وأن يراد بقوله (فأن لله خمسه ) أن من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه لاغير . ثم خص من وجوه القرب هذه الخمسة . تفضيلا لها علي غيرها . كقوله تعالي (و جبريل وميكال ) فعلي الاحتمال الاول مذهب الامامين . وعلي الثاني ما قال أبو العالية : أنه يقسم علي ستة أسهم : سهم لله تعالي يصرف إلي رتاج الكعبة . وعنه : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة وهو سهم الله تعالي ، ثم يقسم ما بقي علي خمسة . وقيل : إن سهم الله تعالي لبيت المال ، وعلي الثالث مذهب مالك بن أنس . وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان علي ستة أسهم لله وللرسول سهمان ، وسهم لاقاربه حتي قبض ، فأجري أبوبكر رضي الله عنه الخمس علي ثلاثة . وكذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء . وروي أن أبابكر رضي الله عنه منع بني هاشم الخمس وقال : إنما لكم أن يعطي فقيركم ويزوج أيمكم ويخدم من لاخادم له منكم ، فأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غني لايعطي من الصدقة شيئا ، ولايتيم موسر : وعن زيد بن علي رضي الله عنه : كذلك قال ، ليس لنا أن ننبي منه قصورا ، ولا أن نركب منه البراذين . وقيل : الخمس كله للقرابة . وعن علي رضي الله عنه أنه قيل له : إن الله تعالي قال (واليتامي و المساكين ) فقال : أيتامنا ومساكيننا . وعن الحسن رضي الله عنه في سهم رسول الله صلي الله عليه وسلم : أنه لولي الامر من بعده . وعن الكلبي رضي الله عنه أن الاية نزلت ببدر . وقال الواقدي : كان الخمس في غزوة بني قينقاع بعد بدر بشهر وثلاثة أيام للنصف من شوال ، علي رأس عشرين شهرا من الهجرة . فإن قلت : بم تعلق قوله (إن كنتم آمنتم بالله ) ؟ قلت : بمحذوف يدل عليه (واعلموا) المعني : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به ، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالاخماس الاربعة ، وليس المراد بالعلم المجرد ، ولكنه العلم المضمن بالعمل ، والطاعة لامر الله تعالي ، لان العلم المجرد يستوي فيه المؤمن والكافر ( وما أنزلنا) معطوف علي (بالله ) أي إن كنتم آمنتم بالله و بالمنزل (علي عبدنا) وقري ء عبدنا كقوله (وعبد الطاغوت ) بضمتين (يوم الفرقان ) يوم بدر . و (الجمعان ) الفريقان من المسلمين والكافرين . والمراد ما أنزل عليه من الايات والملائكة و الفتح يومئذ (والله علي كل شي ء قدير) يقدر علي أن ينصر القليل علي الكثير والذليل علي العزيز ، كما فعل بكم ذلك اليوم .

42 - (إذ) بدل من يوم الفرقان . والعدوة : شط الوادي بالكسر والضم والفتح . وقري ء بهن وبالعدية ، علي قلب الواوياء ، لان بينها وبين الكسرة حاجزا غير حصين كما في الصبية . والدنيا والقصوي : تأنيث الادني والاقصي . فإن قلت : كلتاهما " فعلي " من بنات الواو ، فلم جاءت إحداهما بالياء والثانية بالواو ؟ قلت : القياس هو قلب الواو ياء كالعليا وأما القصوي فكالقود في مجيئه علي الاصل . وقد جاء القصيا ، إلا أن استعمال القصوي أكثر ، كما كثر استعمال "استصوب " مع مجي ء " استصاب " و "أغيلت " مع "أغالت " والعدوة الدنيا ممايلي المدينة ، والقصوي ممايلي مكة (والركب أسفل منكم ) يعني الركب الاربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل . وأسفل : نصب علي الظرف ، معناه : مكانا أسفل من مكانكم ، وهو مرفوع المحل : لانه خبر للمبتدإ . فإن قلت : ما فائدة هذا التوقيت وذكر مراكز الفريقين "وأن العير كانت أسفل منهم ؟ قلت : الفائدة فيه الاخبار عن الحال الدالة علي قوة شأن العدو وشوكته ، وتكامل عدته ، وتمهد أسباب الغلبة له ، وضعف شأن المسلمين والتياث أمرهم وأن غلبتهم في مثل هذه الحال ليست إلا صنعا من الله سبحانه ، ودليلا علي أن ذلك أمر لم يتيسر إلا بحوله وقوته وباهر قدرته ، وذلك أن العدوة القصوي التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضا لاباس بها ولا ماء بالعدوة الدنيا وهي خبار تسوخ فيها الارجل ، ولايمشي فيها إلا بتعب ومشقة . وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم ، فكانت الحماية دونها ، تضاعف حميتهم وتشحذ في المقاتلة عنها نباتهم . ولهذا كانت العرب تخرج إلي الحرب بظعنهم وأموالهم ، ليبعثهم الذب عن الحريم والغيرة علي الحرم علي بذل جهيداهم في القتال ، وأن لايتركوا وراءهم مايحدثون أنفسهم بالانحياز إليه . فيجمع ذلك قلوبهم ويضبط هممهم ويوطن نفوسهم علي أن لايبرحوا مواطنهم و لايخلوا مراكزهم ، ويبذلوا منتهي نجدتهم وقصاري شدتهم . وفيه تصوير ما دبر سبحانه من أمر وقعة بدر ، ليقضي أمرا كان مفعولا من إعزاز دينه وإعلاء كلمته حين وعد المسلمين إحدي الطائفتين مبهمة غير مبينة ، حتي خرجوا ليأخذوا الغير راغبين في الخروج ، وشخص بقريش مرعوبين مما بلغهم من تعرض رسول الله صلي الله عليه وسلم لاموالهم ، حتي نفروا ليمنعوا عيرهم ، وسبب الاسباب حتي أناخ هؤلاء بالعدوة الدنيا وهؤلاء بالعدوة القصوي و وراءهم العير يحامون عليها ، حتي قامت الحرب علي ساق وكان ما كان (ولو تواعدتم ) أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم علي موعد تلتقون فيه للقتال ، لخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد ، وثبطهم مافي قلوبهم من تهيب رسول الله صلي الله عليه وسلم والمسلمين ، فلم يتفق لكم من التلاقي في ما وقفه الله وسبب له (ليقضي ) متعلق بمحذوف ، أي ليقضي أمرا كان واجبا أن يفعل ، و هو نصر أوليائه و قهر أعدائه دبر ذلك . وقوله (ليهلك ) بدل منه . واستعير الهلاك و الحياة للكفر والاسلام ، أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة ، لا عن مخالجة شبهة ، حي لاتبقي له علي الله حجة ، ويصدر إسلام من أسلم أيضا عن يقين وعلم بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به وذلك أن ما كان من وقعة بدر من الايات الغر المحجلة التي من كفر بعدها كان مكابرا لنفسه مغالطا لها . وقري ء : ليهلك ، بفتح اللام . و حيي ، بإظهار التضعيف (لسميع عليم ) يعلم كيف يدبر أموركم ويسوي مصالحكم . أو لسميع عليم بكفر من كفر وعقابه ، وبإيمان من آمن وثوابه .

43 - (إذ يريكهم الله ) نصبه بإضمار اذكر . أو هو بدل ثان من يوم الفرقان ، أو متعلق بقوله (لسميع عليم ) أي يعلم المصالح إذ يقللهم في عينك (في منامك ) في رؤياك . و ذلك أن الله عز وجل أراه إياهم في رؤياه قليلا ، فأخبر بذلك أصحابه فكان تثبيتا لهم و تشجيعا علي عدوهم . و عن الحسن : في منامك في عينك ، لانها مكان النوم ، كما قيل للقطيفة : المنامة ، لانه ينام فيها . وهذا تفسير فيه تعسف ، و ما أحسب الرواية صحيحة فيه عن الحسن ، و ما يلائم عليه بكلام العرب و فصاحته (ل فشلتم ) لجبنتم و هبتم الاقدام (ولتنازعتم ) في الرأي ، وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم ، وترجحتم بين الثبات والفرار (ولكن الله سلم ) أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل و التنازع و الاختلاف (إنه عليم بذات الصدور) يعلم ما سيكون فيها من الجراء ة و الجبن و الصبر والجزع .

44 - (و إذ يريكموهم ) الضميران مفعولان و يعني : وإذ يبصركم إياهم . و(قليلا) نصب علي الحال ، و إنما قللهم في أعينهم تصديقا لرؤية رسول الله صلي الله عليه و سلم ، وليعاينوا ما أخبرهم به فيزداد يقينهم و يجدوا و يثبتوا . قال ابن مسعود رضي الله عنه : لقد قللوا في أعيننا حتي قلت لرجل إلي جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا رجلا منهم فقلنا له : كم كنتم ؟ قال . ألفا (ويقللكم في أعينهم ) حتي قال قائل منهم : إنما هم أكلة جزور . فإن قلت : الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر ، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم ؟ قلت : قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء ، ثم كثرهم فيها بعده ليجترؤا عليهم ، قلة مبالاة بهم ، ثم تفجؤهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا ، و تفل شوكتهم حين يرون مالم يكن في حسابهم وتقديرهم ، وذلك قوله (يرونهم مثليهم رأي العين ) ولئلا يستعدوا لهم ، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الاية البينة من قلتهم أولا وكثرتهم آخرا . فإن قلت : بأي طريق يبصرون الكثير قليلا ؟ قلت بأن يستر الله عنهم بعضه بساتر أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير ، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين . قيل لبعضهم : إن الاحول يري الواحد اثنين ، وكان بين يديه ديك واحد فقال : ما لي لا أري هذين الديكين أربعة ؟

45 - (وإذا لقيتم فئة) إذا حاربتم جماعة من الكفار ، وترك أن يصفها لان المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار . واللقاء اسم للقتال غالب (فاثبتوا) لقتالهم و لا تفروا (واذكروا الله كثيرا) في مواطن الحرب مستظهرين بذكره ، مستنصرين به ، داعين له علي عدوكم : اللهم اخذلهم ، اللهم اقطع دابرهم (لعلكم تفلحون ) لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة و المثوبة . و فيه إشعار بأن علي العبد أن لا يفتر عن ذكر ربه أشغل ما يكون قلبا و أكثر ما يكون هما ، و أن تكون نفسه مجتمعة لذلك و إن كانت متوزعة عن غيره . وناهيك بما في خطب أمير المؤمنين عليه السلام في أيام صفين و في مشاهده مع البغاة و الخوارج من البلاغة و البيان و لطائف المعاني و بليغات المواعظ و النصائح دليلا علي أنهم كانوا لايشغلهم عن ذكر الله شاغل و إن تفاقم الامر

مشخصات :
قرآن تبيان- جزء 10 - حزب 19 - سوره انفال - صفحه 182
قرائت ترتیل سعد الغامدی-آيه اي-باکیفیت(MP3)
بصورت فونتی ، رسم الخط quran-simple-enhanced ، فونت قرآن طه
با اندازه فونت 25px
بصورت تصویری ، قرآن عثمان طه با کیفیت بالا

مشخصات ترجمه یا تفسیر :
تفسیر کشاف

انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
خدمات تلفن همراه
مراجعه: 180,505,187