خدمات تلفن همراه

قرآن تبيان- جزء 2 - حزب 3 - سوره بقره - صفحه 22


شروع جزء 2و حزب 3
سَیَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِی کَانُوا عَلَیْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ یَهْدِی مَن یَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِیمٍ
142 - (سيقول السفهاء) الخفاف الاحلام و هم اليهود لكراهتم التوجه إلي الكعبة، و أنهم لا يرون النسخ . و قيل : المنافقون ، لحرصهم علي الطعن و الاستهزاء . و قيل : المشركون ، قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها ، و الله ليرجعن إلي دينهم . فإن قلت : أي فائدة في الاخبار بقولهم قبل و قوعه ؟ قلت : فائدته أن مفاجأة المكروه أشد ، و العلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدمه من توطين النفس ، و أن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم و أرد لشغبه ، و قبل الرمي يراش السهم (ما و لاهم ) ما صرفهم (عن قبلتهم ) و هي بيت المقدس (لله المشرق و المغرب ) أي بلاد المشرق و المغرب و الارض كلها (يهدي من يشاء) من أهلها (إلي صراط مستقيم ) وهو ما توجبه الحكمة و المصلحة ، من توجيههم تارة إلي بيت المقدس ، و أخري إلي الكعبة
وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِی کُنتَ عَلَیْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن یَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَیْهِ وَإِن کَانَتْ لَکَبِیرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِینَ هَدَى اللَّهُ وَمَا کَانَ اللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَانَکُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِیمٌ
143 - (و كذلك جعلناكم ) و مثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم (أمة و سطا) خيارا ، و هي صفة بالاسم الذي هو وسط الشي ء . و لذلك استوي فيه الواحد و الجمع و المذكر و المؤنث . و نحوه قوله عليه السلام : "و أنطوا الثبجة" يريد الوسيطة بين السمينة و العجفاء و صفا بالثبج وهو وسط الظهر ، إلا أنه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف . و قيل : للخيار : وسط لان الاطراف يتسارع إليها الخلل ، و الاعوار و الاوساط محمية محوطة . و منه قول الطائي : كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتي أصبحت طرفا و قد اكتريت بمكة جمل أعرابي للحج فقال : أعطني من سطاتهنه ، أراد من خيار الدنانير . أو عدولا ، لان الوسط عدل بين الاطراف ليس إلي بعضها أقرب من بعض ( لتكونوا شهداء علي الناس ) روي "أن الامم يوم القيامة يجحدون تبليغ الانبياء ، فيطالب الله الانبياء بالبينة علي أنهم قد بلغوا و هو أعلم ، فيؤتي بأمة محمد صلي الله عليه و سلم فيشهدون ، فتقول الامم : من أين عرفتم ؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق علي لسان نبيه الصادق ، فيؤتي بمحمد صلي الله عليه و سلم فيسأل عن حال أمته ، فيزكيهم و يشهد بعدالتهم " و ذلك قوله تعالي (فكيف إذاجئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيدا) . فإن قلت : فهلا قيل لكم شهيدا و شهادته لهم لا عليهم ؟ قلت : لما كان الشهيد كالرقيب و المهيمن علي المشهود له ، جي ء بكلمة الاستعلاء . و منه قوله تعالي : (و الله علي كل شي ء شهيد) ، (كنت أنت الرقيب عليهم و أنت علي كل شي ء شهيد) . و قيل : لتكونوا شهداء علي الناس في الدنيا فيما لايصح إلا بشهادة العدول الاخيار (و يكون الرسول عليكم شهيدا) يزكيكم و يعلم بعدالتكم . فإن قلت : لم أخرت صلة الشهادة أولا و قدمت آخرا ؟ قلت : لان الغرض في الاول إثبات شهادتهم علي الامم ، و في الاخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم (التي كنت عليها) ليست بصفة للقبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل . يريد : و ما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها و هي الكعبة ، لان رسول الله صلي الله عليه و سلم كان يصلي بمكة إلي الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلي صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ، ثم حول إلي الكعبة فيقول : و ما جعلنا القبلة التي تجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة ، يعني : و مارددناك إليها إلا امتحانا للناس و ابتلاء (لنعلم ) الثابت علي الاسلام الصادق فيه ، ممن هو علي حرف ينكص (علي عقبيه ) لقلقه فيرتد ، كقوله : (و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا الاية) و يجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته . يعني أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة ، و أن استقبالك بيت المقدس كان أمرا عارضا لغرض . و إنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل و قتك هذا و هي بيت المقدس ، لنمتحن الناس و ننظر من يتبع الرسول منهم و من لا يتبعه و ينفر عنه . و عن ابن عباس رضي الله عنه : "كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه و بينه " . فإن قلت : كيف قال (لنعلم ) و لم يزل عالما بذلك ؟ قلت : معناه : لنعلمه علما يتعلق به الجزاء ، و هو أن يعلمه موجودا حاصلا و نحوه : (و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين ) . و قيل : ليعلم رسول الله و المؤمنون . و إنما أسند علمهم إلي ذاته ، لانهم خواصه و أهل الزلفي عنده . و قيل : معناه لنميز التابع من الناكص ، كما قال : (ليميز الله الخبيث من الطيب ) فوضع العلم موضع التمييز لان العلم به يقع التمييز به (و إن كانت لكبيرة) هي إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة . و الضمير في (كانت ) لما دل عليه قوله : (و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها) من الردة ، أو التحويلة ، أو الجعلة . و يجوز أن يكون للقبلة (لكبيرة) لثقيلة شاقة (إلا علي الذين هدي الله ) إلا علي الثابتين الصادقين في اتباع الرسول الذين لطف الله بهم و كانوا أهلا للطفه (و ما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي ثباتكم علي الايمان و أنكم لم تزلوا و لم ترتابوا ، بل شكر صنيعكم و أعد لكم الثواب العظيم . و يجوز أن يراد : و ما كان الله ليترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة و إضاعة لايمانكم . و قيل : من كان صلي إلي بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة . عن ابن عباس رضي الله عنه : لما وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلي الكعبة قالوا : كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا فنزلت . (لرؤف رحيم ) لايضيع أجورهم و لا يترك ما يصلحهم . و يحكي عن الحجاج أنه قال للحسن : ما رأيك في أبي تراب ، فقرأ قوله : (إلا علي الذين هدي الله ) ثم قال : و علي منهم ، و هو ابن عم رسول الله صلي الله عليه و سلم و ختنه علي ابنته ، و أقرب الناس إليه ، و أحبهم . و قرئ : إلا ليعلم علي البناء للمفعول . و معني العلم : المعرفة . و يجوز أن يكون "من " متضمنة لمعني الاستفهام معلقا عنها العلم ، كقولك : علمت أزيد في الدار أم عمرو . و قرأ ابن أبي إسحق (علي عقبيه ) بسكون القاف . و قرأ اليزيدي (لكبيرة) بالرفع . و وجهها أن تكون "كان " مزيدة ، كما في قوله : * و جيران لنا كانوا كرام * و الاصل : و إن هي لكبيرة ، كقولك : إن زيد لمنطلق ثم . و إن كانت لكبيرة و قرئ : ليضيع بالتشديد
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِکَ فِی السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّیَنَّکَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَیْثُ مَا کُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ لَیَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا یَعْمَلُونَ
144 - (قد نري ) ربما نري ، و معناه : كثرة الرؤية . كقوله : * قد أترك القرن مصفرا أنامله * (تقلب وجهك ) تردد وجهك و تصرف نظرك في جهة السماء . و كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يتوقع من ربه أن يحوله إلي الكعبة ، لانها قبلة أبيه إبراهيم ، و أدعي للعرب إلي الايمان لانها مفخرتهم و مزارهم و مطافهم ، و لمخالفة اليهود فكان يراعي نزول جبريل عليه السلام و الوحي بالتحويل (فلنولينك ) فلنعطينك و لنمكننك من استقبالها ، من قولك : و ليته كذا . إذا جعلته واليا له ، أو فلنجعلنك تلي سمتها دون سمت بيت المقدس (ترضاها) تحبها و تميل إليها لاغراضك الصحيحة التي أضمرتها و وافقت مشيئة الله و حكمته (شطر المسجد الحرام ) نحوه . قال : * و أظعن بالقوم شطر الملوك * و قرأ أبي : تلقاء المسجد الحرام . و عن البراء بن عازب قدم رسول الله صلي الله عليه و سلم المدينة فصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه إلي الكعبة و قيل : كان ذلك في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ، و رسول الله صلي الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة و قد صلي بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة و استقبل الميزاب ، و حول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فسمي المسجد مسجد القبلتين . و (شطر المسجد) نصب علي الظرف ، أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته لان استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم علي البعيد . و ذكر المسجد الحرام دون الكعبة : دليل في أن الواجب مراعاة الجهة دون العين (ليعلمون أنه الحق ) أن التحويل إلي الكعبة هو الحق لانه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله أنه يصلي إلي القبلتين (يعملون ) قرئ بالياء و التاء
وَلَئِنْ أَتَیْتَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ بِکُلِّ آیَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَکَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّکَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِینَ
145 - (ما تبعوا) جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط. (بكل آية) بكل برهان قاطع أن التوجه إلي الكعبة هو الحق ، ما تبعوا (قبلتك ) لان تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة، إنما هو عن مكابرة و عناد مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنك علي الحق (و ما أنت بتابع قبلتهم ) حسم لاطماعهم إذ كانوا ماجوا في ذلك و قالوا: لو ثبت علي قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره و طمعوا في رجوعه إلي قبلتهم . و قرئ (بتابع قبلتهم ) علي الاضافة (و ما بعضهم بتابع قبلة بعض ) يعني أنهم مع اتفاقهم علي مخالفتك مختلفون في شأن القبلة لا يرجي اتفاقهم ، كما لا ترجي موافقتهم لك . و ذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس ، و النصاري مطلع الشمس . أخبر عز و جل عن تصلب كل حزب فيما هو فيه و ثباته عليه ، فالمحق منهم لايزل عن مذهبه لتمسكه بالبرهان ، و المبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده . و قوله (و لئن اتبعت أهواءهم ) بعد الافصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله و ما أنت بتابع قبلتهم كلام وارد علي سبيل الفرض و التقدير، بمعني : ولئن اتبعتهم مثلا بعد وضوح البرهان و الاحاطة بحقيقة الامر (إنك إذا لمن الظالمين ) المرتكبين الظلم الفاحش . و في ذلك لطف للسامعين و زيادة تحذير. و استفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته و يتبع الهوي . و تهييج و إلهاب للثبات علي الحق . فإن قلت : كيف قال (و ما أنت بتابع قبلتهم ) و لهم قبلتان لليهود قبلة و للنصاري قبلة؟ قلت : كلتا القبلتين باطلة مخالفة لقبلة الحق ، فكانتا بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة.

صفحه : 22
بزرگتر  کوچکتر  بدون ترجمه  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
قرآن  عثمان طه با کیفیت بالا صفحه 22
تصویر  انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 

142 - (سيقول السفهاء) الخفاف الاحلام و هم اليهود لكراهتم التوجه إلي الكعبة، و أنهم لا يرون النسخ . و قيل : المنافقون ، لحرصهم علي الطعن و الاستهزاء . و قيل : المشركون ، قالوا رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها ، و الله ليرجعن إلي دينهم . فإن قلت : أي فائدة في الاخبار بقولهم قبل و قوعه ؟ قلت : فائدته أن مفاجأة المكروه أشد ، و العلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع لما يتقدمه من توطين النفس ، و أن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم و أرد لشغبه ، و قبل الرمي يراش السهم (ما و لاهم ) ما صرفهم (عن قبلتهم ) و هي بيت المقدس (لله المشرق و المغرب ) أي بلاد المشرق و المغرب و الارض كلها (يهدي من يشاء) من أهلها (إلي صراط مستقيم ) وهو ما توجبه الحكمة و المصلحة ، من توجيههم تارة إلي بيت المقدس ، و أخري إلي الكعبة

143 - (و كذلك جعلناكم ) و مثل ذلك الجعل العجيب جعلناكم (أمة و سطا) خيارا ، و هي صفة بالاسم الذي هو وسط الشي ء . و لذلك استوي فيه الواحد و الجمع و المذكر و المؤنث . و نحوه قوله عليه السلام : "و أنطوا الثبجة" يريد الوسيطة بين السمينة و العجفاء و صفا بالثبج وهو وسط الظهر ، إلا أنه ألحق تاء التأنيث مراعاة لحق الوصف . و قيل : للخيار : وسط لان الاطراف يتسارع إليها الخلل ، و الاعوار و الاوساط محمية محوطة . و منه قول الطائي : كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتي أصبحت طرفا و قد اكتريت بمكة جمل أعرابي للحج فقال : أعطني من سطاتهنه ، أراد من خيار الدنانير . أو عدولا ، لان الوسط عدل بين الاطراف ليس إلي بعضها أقرب من بعض ( لتكونوا شهداء علي الناس ) روي "أن الامم يوم القيامة يجحدون تبليغ الانبياء ، فيطالب الله الانبياء بالبينة علي أنهم قد بلغوا و هو أعلم ، فيؤتي بأمة محمد صلي الله عليه و سلم فيشهدون ، فتقول الامم : من أين عرفتم ؟ فيقولون علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق علي لسان نبيه الصادق ، فيؤتي بمحمد صلي الله عليه و سلم فيسأل عن حال أمته ، فيزكيهم و يشهد بعدالتهم " و ذلك قوله تعالي (فكيف إذاجئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك علي هؤلاء شهيدا) . فإن قلت : فهلا قيل لكم شهيدا و شهادته لهم لا عليهم ؟ قلت : لما كان الشهيد كالرقيب و المهيمن علي المشهود له ، جي ء بكلمة الاستعلاء . و منه قوله تعالي : (و الله علي كل شي ء شهيد) ، (كنت أنت الرقيب عليهم و أنت علي كل شي ء شهيد) . و قيل : لتكونوا شهداء علي الناس في الدنيا فيما لايصح إلا بشهادة العدول الاخيار (و يكون الرسول عليكم شهيدا) يزكيكم و يعلم بعدالتكم . فإن قلت : لم أخرت صلة الشهادة أولا و قدمت آخرا ؟ قلت : لان الغرض في الاول إثبات شهادتهم علي الامم ، و في الاخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم (التي كنت عليها) ليست بصفة للقبلة إنما هي ثاني مفعولي جعل . يريد : و ما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها و هي الكعبة ، لان رسول الله صلي الله عليه و سلم كان يصلي بمكة إلي الكعبة ، ثم أمر بالصلاة إلي صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تألفا لليهود ، ثم حول إلي الكعبة فيقول : و ما جعلنا القبلة التي تجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة ، يعني : و مارددناك إليها إلا امتحانا للناس و ابتلاء (لنعلم ) الثابت علي الاسلام الصادق فيه ، ممن هو علي حرف ينكص (علي عقبيه ) لقلقه فيرتد ، كقوله : (و ما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا الاية) و يجوز أن يكون بيانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلته . يعني أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة ، و أن استقبالك بيت المقدس كان أمرا عارضا لغرض . و إنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل و قتك هذا و هي بيت المقدس ، لنمتحن الناس و ننظر من يتبع الرسول منهم و من لا يتبعه و ينفر عنه . و عن ابن عباس رضي الله عنه : "كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه و بينه " . فإن قلت : كيف قال (لنعلم ) و لم يزل عالما بذلك ؟ قلت : معناه : لنعلمه علما يتعلق به الجزاء ، و هو أن يعلمه موجودا حاصلا و نحوه : (و لما يعلم الله الذين جاهدوا منكم و يعلم الصابرين ) . و قيل : ليعلم رسول الله و المؤمنون . و إنما أسند علمهم إلي ذاته ، لانهم خواصه و أهل الزلفي عنده . و قيل : معناه لنميز التابع من الناكص ، كما قال : (ليميز الله الخبيث من الطيب ) فوضع العلم موضع التمييز لان العلم به يقع التمييز به (و إن كانت لكبيرة) هي إن المخففة التي تلزمها اللام الفارقة . و الضمير في (كانت ) لما دل عليه قوله : (و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها) من الردة ، أو التحويلة ، أو الجعلة . و يجوز أن يكون للقبلة (لكبيرة) لثقيلة شاقة (إلا علي الذين هدي الله ) إلا علي الثابتين الصادقين في اتباع الرسول الذين لطف الله بهم و كانوا أهلا للطفه (و ما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي ثباتكم علي الايمان و أنكم لم تزلوا و لم ترتابوا ، بل شكر صنيعكم و أعد لكم الثواب العظيم . و يجوز أن يراد : و ما كان الله ليترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة و إضاعة لايمانكم . و قيل : من كان صلي إلي بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة . عن ابن عباس رضي الله عنه : لما وجه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم إلي الكعبة قالوا : كيف بمن مات قبل التحويل من إخواننا فنزلت . (لرؤف رحيم ) لايضيع أجورهم و لا يترك ما يصلحهم . و يحكي عن الحجاج أنه قال للحسن : ما رأيك في أبي تراب ، فقرأ قوله : (إلا علي الذين هدي الله ) ثم قال : و علي منهم ، و هو ابن عم رسول الله صلي الله عليه و سلم و ختنه علي ابنته ، و أقرب الناس إليه ، و أحبهم . و قرئ : إلا ليعلم علي البناء للمفعول . و معني العلم : المعرفة . و يجوز أن يكون "من " متضمنة لمعني الاستفهام معلقا عنها العلم ، كقولك : علمت أزيد في الدار أم عمرو . و قرأ ابن أبي إسحق (علي عقبيه ) بسكون القاف . و قرأ اليزيدي (لكبيرة) بالرفع . و وجهها أن تكون "كان " مزيدة ، كما في قوله : * و جيران لنا كانوا كرام * و الاصل : و إن هي لكبيرة ، كقولك : إن زيد لمنطلق ثم . و إن كانت لكبيرة و قرئ : ليضيع بالتشديد

144 - (قد نري ) ربما نري ، و معناه : كثرة الرؤية . كقوله : * قد أترك القرن مصفرا أنامله * (تقلب وجهك ) تردد وجهك و تصرف نظرك في جهة السماء . و كان رسول الله صلي الله عليه و سلم يتوقع من ربه أن يحوله إلي الكعبة ، لانها قبلة أبيه إبراهيم ، و أدعي للعرب إلي الايمان لانها مفخرتهم و مزارهم و مطافهم ، و لمخالفة اليهود فكان يراعي نزول جبريل عليه السلام و الوحي بالتحويل (فلنولينك ) فلنعطينك و لنمكننك من استقبالها ، من قولك : و ليته كذا . إذا جعلته واليا له ، أو فلنجعلنك تلي سمتها دون سمت بيت المقدس (ترضاها) تحبها و تميل إليها لاغراضك الصحيحة التي أضمرتها و وافقت مشيئة الله و حكمته (شطر المسجد الحرام ) نحوه . قال : * و أظعن بالقوم شطر الملوك * و قرأ أبي : تلقاء المسجد الحرام . و عن البراء بن عازب قدم رسول الله صلي الله عليه و سلم المدينة فصلي نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه إلي الكعبة و قيل : كان ذلك في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين ، و رسول الله صلي الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة و قد صلي بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة و استقبل الميزاب ، و حول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، فسمي المسجد مسجد القبلتين . و (شطر المسجد) نصب علي الظرف ، أي اجعل تولية الوجه تلقاء المسجد أي في جهته وسمته لان استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم علي البعيد . و ذكر المسجد الحرام دون الكعبة : دليل في أن الواجب مراعاة الجهة دون العين (ليعلمون أنه الحق ) أن التحويل إلي الكعبة هو الحق لانه كان في بشارة أنبيائهم برسول الله أنه يصلي إلي القبلتين (يعملون ) قرئ بالياء و التاء

145 - (ما تبعوا) جواب القسم المحذوف سد مسد جواب الشرط. (بكل آية) بكل برهان قاطع أن التوجه إلي الكعبة هو الحق ، ما تبعوا (قبلتك ) لان تركهم اتباعك ليس عن شبهة تزيلها بإيراد الحجة، إنما هو عن مكابرة و عناد مع علمهم بما في كتبهم من نعتك أنك علي الحق (و ما أنت بتابع قبلتهم ) حسم لاطماعهم إذ كانوا ماجوا في ذلك و قالوا: لو ثبت علي قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره و طمعوا في رجوعه إلي قبلتهم . و قرئ (بتابع قبلتهم ) علي الاضافة (و ما بعضهم بتابع قبلة بعض ) يعني أنهم مع اتفاقهم علي مخالفتك مختلفون في شأن القبلة لا يرجي اتفاقهم ، كما لا ترجي موافقتهم لك . و ذلك أن اليهود تستقبل بيت المقدس ، و النصاري مطلع الشمس . أخبر عز و جل عن تصلب كل حزب فيما هو فيه و ثباته عليه ، فالمحق منهم لايزل عن مذهبه لتمسكه بالبرهان ، و المبطل لا يقلع عن باطله لشدة شكيمته في عناده . و قوله (و لئن اتبعت أهواءهم ) بعد الافصاح عن حقيقة حاله المعلومة عنده في قوله و ما أنت بتابع قبلتهم كلام وارد علي سبيل الفرض و التقدير، بمعني : ولئن اتبعتهم مثلا بعد وضوح البرهان و الاحاطة بحقيقة الامر (إنك إذا لمن الظالمين ) المرتكبين الظلم الفاحش . و في ذلك لطف للسامعين و زيادة تحذير. و استفظاع لحال من يترك الدليل بعد إنارته و يتبع الهوي . و تهييج و إلهاب للثبات علي الحق . فإن قلت : كيف قال (و ما أنت بتابع قبلتهم ) و لهم قبلتان لليهود قبلة و للنصاري قبلة؟ قلت : كلتا القبلتين باطلة مخالفة لقبلة الحق ، فكانتا بحكم الاتحاد في البطلان قبلة واحدة.

مشخصات :
قرآن تبيان- جزء 2 - حزب 3 - سوره بقره - صفحه 22
قرائت ترتیل سعد الغامدی-آيه اي-باکیفیت(MP3)
بصورت فونتی ، رسم الخط quran-simple-enhanced ، فونت قرآن طه
با اندازه فونت 25px
بصورت تصویری ، قرآن عثمان طه با کیفیت بالا

مشخصات ترجمه یا تفسیر :
تفسیر کشاف

انتخاب  فهرست  جستجو  صفحه بعد  صفحه قبل 
اگر این صفحه عملکرد مناسبی ندارد
از این لینک کمکی استفاده فرمایید .
 
خدمات تلفن همراه
مراجعه: 96,546,081